ما بعد نوبل
المرأة العربية بين أن تَخْلِق أو يُخْلَق لها؟!
ــ1ــ
ما علاقة وعي المرأة ونضج المرأة وتعقل المرأة،
وما علاقة نجاح المرأة وإبداع المرأة، وما علاقة عِلم المرأة وثقافة المرأة وذكاء
المرأة، وما علاقة حصافة المرأة وكياسة المرأة وفطنة المرأة وإنجاز المرأة وإيجابية
المرأة وتنظيم المرأة لوقتها، وثقة المرأة بنفسها وأدب المرأة وأخلاق المرأة ورُقي
المرأة، وما علاقة تحقيق المرأة لذاتها، ما علاقة ذلك كله وأكثر من ذلك بالوظيفة التي تذهب اليها في
كل صباح؟!
أليس من الممكن جدا أن تكون المرأة الموظفة
وظيفة راتبة، ساذجة متوسطة الذكاء خرقاء تافهة، اهتماماتها هباء في هباء (أسواق،
مكياج، طلعات، دخلات، مطاعم، إكسسوارات)، فاشلة، ضعيفة الشخصية، وعيها متوسط،
ثرثارة، قميئة، فوضوية، كسولة وسلبية؟!
لماذا وضعت المرأة العربية نفسها لعشرات
السنوات في نفس وعاء المرأة الغربية، واتبعت نفس المقولة الحياتية: إن تحقيق الذات
والذكاء والحصافة والإنجاز والإيجابية المجتمعية لا تتحقق الا بصورة واحدة وتنمطت بها؟!
لماذا لم تَخْلِق المرأة العربية مقولتها الحياتية الخاصة بها؟! ولماذا لم تَخْلق المرأة العربية جوَّها في إحداث
تغيير حقيقي في العقل الجمعي لمجتمعها بفرض نظرية أخرى أكثر نضجا، وأكثر وعيا
بنفسها وأسرتها ومتطلبات مجتمعها وثقافتها وتُحررُها من قيود مختلفة تختلف عن
شقيقتها المرأة الغربية وتبقيها في أحيان كثُرت أو قلت في قيود عربية أجمل من
أكذوبة الحرية المصطنعة؟! لماذا لم تَخْلِق المرأة العربية جوها وفلسفتها وتحررها
وتركت نفسها في مهب أجواء الآخرين؟! ولماذا ربطت تقدمها بالوظيفة الراتبة والكسب
المادي؟! ولماذا استنسخت نفس القوالب وصبت كل إمكاناتها فيها؟! ألا يدل هذا
المستوى من التقليد على غوغائية أمام حالة الإبداع؟! ألا يدل هذا المستوى من التقليد على أن المرأة العربية ما
زالت ضعيفة الشخصية مهزومة الإمكانات
الفكرية، تتخبط في خطة لم تستطع أن تضع ولو شرطا إبداعيا واحدا فيها؟!
من الذي قال إن نظرية الرجل الغربي الذي أسس
نظريته لمصلحة عجلة الإنتاج المادي. ومن الذي قال إن الدفع الإجتماعي الغربي
للمرأة للخروج إلى العمل بهدف تحقيق الذات أو خدمة المجتمع لا يأخذ طريقه الا عبر
آلية واحدة؟! من الذي قال إن اندفاع كل نساء الأرض للسعي حثيثا بحثا عن عمل أي عمل
يتناسب مع الشهادة الجامعية في أحسن تقدير وفي أسوأه عمل هو آلية الإبداع والتحرر؟!
لماذا فتحت المرأة العربية نفس النافذة التي فتحتها المرأة الغربية على المجتمع
ولماذا لم تحاول أن تفتح بابا أوسع على سبيل المثال لا الحصر ناهيك عن النوافذ
والصالات والحدائق؟! لماذا ناقشت المرأة العربية تحررُها دائما بعيون غربية وتحت
رعاية غربية فكان تحررها دائما عن طريق العمل الوظيفي، ولم تناقشه من منطلق
الإنجاز وخدمة المجتمع؟! لماذا لم تكن المرأة العربية أكثر جدارة وكفاءة واتقانا
في فهم الفكرة وإنزالها على أرض الواقع بصلابة الواقعية وجمال قيم العرب ومُثُلُهم
وعدالة الدين؟!
وخلاصة السؤال: لماذا لم تَخْلِق المرأة
العربية جوها المجتمعي من الإنجاز والإبداع والتحرر من القيود، وإنما خُلِق لها ؟
ربما هذا أطول سؤال في تاريخ صراع المرأة مع نفسها وأسرتها ومجتمعها عليها أن تجيبه بتأن
شديد وحذر بعد أن تتأمله جيداً وتتأمل واقعها الذي وضعت نفسها فيه، وأقصد المراة
العربية خصوصاً. لأن إجابة غير شافية له ستكون أكبر إهانة لذكاء المرأة العربية
وصفعة لإبداعها، ودليل جارح على قزميتها؟!
ـــ 2 ـــ
حتى لا نعيد صناعة الدكتاتورعلى جناح نوبل
وضعت الثورات العربية العالم كله والغربي
خاصة على كف الدهشة، وآن له ان يرفع قدمه عن أمة دعس عليها كثيرا، لأنها ارتفعت
بقامتها طويلا ورمت بأذنابه في بحر الثورة الهادر. وحتى لا ترمي الثورات العربية العالم
الغربي في نفس بحر ثورتها، كان لا بد من أن تدخل الثورة العربية برمزية ما احدى
سجلات الغرب تسامحا مع العرب تارة، ونظرة ثاقبة لمستقبل قريب معها، وتثبيتا لقدم
التدخل بعناصرها الشابة .
وكان الأختيار ذكيا وموفقا، فمن بين أفقر دول
العالم العربي، ومن بين أضعف فئة فيها وهي النساء، ومن قلب المجتمع القبلي تم
اختيار ناشطة حقوقية اجتماعية ساهمت بفاعلية حقيقية قبل أن يتحرك الناس في ثورة
بلادها وكانت على رأس القائمة، فانتصرت دولة الهامش على دول في المركز، وانتصرت
امرأة فقيرة في التبعية الغربية على نساء وسيدات اوائل دُسْنَ على ثقافتهن وهويتهن
لإكتساب ألقاب وجوائز؟!
هنا لم تدخل توكل كرمان التاريخ وحدها، بل
وادخلت معها حكاية طويلة من العلاقلات الشائكة بين الشرق والغرب. بين التبعية
المطلقة لمنهج حياة وقيم ولغة قيلت لغة للعلم، وبين الصمود القادم بثورة ينطق فيها
الحجر، بين قهر المحجبات ومنعهن في أحسن تقدير من العمل وفي اسوأه من دخول بوابة
مدرسة، وبين مكافأتهن، وتناقل الناس الخبر بين منفعل مقبل على الجائزة وبين متخوف منغلق
منها.
والجائزة بكل المعايير جائزة، فها هو مهرجان
الجزيرة الوثائقي يعلن منذ ست أعوام عن جائزته فيتهافت الناس عليها من مشارق
أندونسيا وروسيا الى مغارب لندن وواشنطن مرورا بشمس إفريقيا الحارقة، لأن شبكة
الجزيرة أثبتت قيمتها الإعتبارية في العالم فكان العالم يرجو رضاها بتقييمها له
ولإنتاجه.
وجائزة نوبل أثبتت وجودها منذ مئة عام،
وأصبحت لها رمزيتها، وتهافت الناس كل الناس عليها بشتى اطيافهم وألوانهم سواء
بسواء قبل أن تُسيس، لمَّا كان الدفع قادما إليها من خزينة مؤسِسِها، وبعد ان
أفلست خزينته وأصبح الدفع من جيوب هيئات دولية وتشكك الناس بها، بقيت لها قيمتها
الإعتبارية أيضا، بنفس القدر الذي دخلت
فيه عالم من الشكوك!!
وأنت كما أنك لا تأخذ جائزة لأن خصمك يحبك
ولكن لأنك قد أدهشته ولم يكن له منفذ الا من الإعتراف بك، فإن خصمك أيضا لن يمنحك
الجائزة لأنك تستحقها بشكلها الكامل، فهو إن لم يكن قد أخذ منك شيئا بعد فهو يريد
أن يأخذ، ويستعد لك لأنه في نهاية المطاف يستعد لمصلحته ونشر فلسفته ليبقى السائد
الحضاري.
وتوكل كرمان المرأة اليمنية العربية المسلمة
المحجبة، والتي لعل الجائزة في جزء منها كانت رداً لاعتبار تمت إهانته ملياً، وتكريمًا
إلهيا لرمز الحجاب الذي تم استفزازه في
أغلب شوارع الغرب وملاحقته وطرده وتعنيفه دون أدنى شعور بمنح حرية شخصية في الملبس
أو المأكل او المشرب لمن يعرف ديمقراطية الغرب، لن تغفر لها نساء اليمن المنقبات
إن شعرن أنهن يحاربن من قبل الشانزلزيه وغيره من قبلها ولا كل امرأة عزيزة النفس
فقيرة التبعية للغرب أن رمت بالإسقاطات الغربية على أرض اليمن في مسألة تحرر
المرأة دون أن تَخْلِق نظرية عربية سديدة الهدف، عميقة التأثير، عادلة المطالب،
حسنة النشاة.
وتوكل كرمان الزوجة الثانية لزوج يتغنى بها
أشعارا ويُعرِّف نفسه بها مازحا، ويتركها في الخيمة لتلبي حاجاتها الروحية الثائرة
بأسقاط الظلم ونظامه، لن تغفر لها الثورة أن عاثت في السياسة فساداً تحت رعاية
مفكرين عرباً أو عجماً أتباعاً للغرب وعصاه، أو حتى استنادا الى ذكائها الفطري
الثوري.
فذكائها على سبيل المثال لا الحصر الذي دفعها
إلى قول إن الثورة لن تنسحب الى البيوت الا بعد أن تبنى دولة المؤسسات المدنية من
داخل الساحات، هو ذاته خانها عندما لم تعترف للثورة المصرية والتونسية بأنها السلم
الذي صعدت عليه الثورة اليمنية درجات ودرجات، بل وعمدت على تسخيفهما دون قصد.
وتصريحها في شكر اوباما وكلينتون على تهنئتها بما
فيه من جمال الثائرة المخلصة، أتْبَعتْ بعض جمله بديباجة إيمانها بأمريكا الراعية
للديمقراطية وحقوق الإنسان وما شابه!! وتصريحات توكل المختلفة في مواقع متعددة رغم
طيبتها وتواضعها وثوريتها وعنادها الثوري تشي بلا شك بضعفها السياسي وعدم حنكتها.
وحتى تبقى توكل لربيع ثورتنا العربية رمزاً
لا يعود التاريخ الثوري ليسقطه من حساباته مشككاً بمدى استقامته الثورية وعدالة
مبتغاه، لذلك علينا أن نكون مع توكل لا ضدها، وأن تكون توكل بجانبنا لا
امامنا،.حتى لا نعيد صناعة الدكتاتور، فليس كل ما تقوله توكل سيكون صحيحا، وليس كل
ما تفعله توكل سيكون سديدا. فننجح في خلق اجوائنا ورؤانا وصناعة نظرياتنا التحررية
والتقدمية من أجمل ما في قيم العرب وحضارة الإسلام ، لا من ابشع ما فيها من انحراف
فكري وهمجية مقيتة وسط العدالة المشروعة . لنَخْلِق اجواءنا فيما بعد الثورة بدلا
من أن تُخْلق لنا على جناح نوبل تارة
أخرى، ولكن باسم المرأة المحجبة هذه المرة!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال على جزئين
في صحيفة الدستور الأردنية
بتاريخ 23-10-20011
24-10-2011
على الروابط التالية
http://www.addustour.com/ViewTopic.
aspx?ac=%5COpinionAndNotes%5C201
1%5C10%5COpinionAndNotes_issue1469_day23_
id364536.htm#.TsLJiMNC_HA
http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?a
c=%5COpinionAndNotes%5C2011
%5C10%5COpinionAndNotes_issue1470_
day24_id364811.htm#.TsLJR8NC_HA
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما نشر المقال في موقع الجزيرة توك
على الرابط التالي
http://www.aljazeeratalk.net/node/8557
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ