الباراسكيولوجي بين محاولة الفهم
وجنون الشعوذة
بـ نكهة المستحيل
من جدة جدة جدتي إلى جدتي إلى جدة جدتي إلى
جدة أمي إلى جدتي إلينا ..نحن جيل القرن العشرين فيما بعد الخرافة وما قبل العقل، هكذا
توارثنا دق المسامير على أبواب بيوت الخلاء في بيوتنا، وهكذا كانت تحدثني ابنة
افضل جامعات جوهانسبيرغ العلمية عن "الإشارب" المعلق على تلك المسامير
التي تجبر الأمهات بناتهن على ارتدائه حماية لكل فتاة تدخل إلى الحمّام من أن يرى
شَعْرها الشيطان فيعقد عليها الِقران!
ولولا الصدفة البحتة لما عرفتُ بدوري ما يدور
ولما عرفِّن جواب ما سترته ميراث الحكايات والأساطير، حين شكوتُ لصديقاتي الجنوب الإفريقيات
من أصل هندي في ليلة سمر، ما جاءتني به ابنتي الصغيرة ابنة الثاني الابتدائي
من المدرسة من وجوب ارتداء الحجاب وقت الطعام ووقت الحمّام!
فاكتشفتُ في تلك الليلة أن ما كان كائناً من
معلمة ابنتي ثقافة كائنة في كل زوايا المجتمع بل وعلى هرم عقله...وبروحها المرحة
جاء الجواب مستعجلا بنكهة الخضرة الفرحة مع ما أطلقته من ضحكتها سؤالا استنكاريا
صارما حتى قبل أن أجيب، " ولكن إذا كان الشيطان يرى عوراتنا في تلك اللحظة
فلماذا علينا أن نخبىء عنه شَعْرَنا ؟!" ضحك الجمع وولت الشياطين الدبر.
وانتهت تلك الشعوذة التي استمرت عقودا طويلة من الزمن بنكهة نكتة اطلقتها حكمة
العقل وسرعة بداهته.
في سمر ليلة اخرى مع تلك النخبة من النسوة في
المجتمع الجنوب الإفريقي آنذاك...كن يتساءلن عن ذلك الممر النوراني الذي تصعد إليه
الأرواح عند لحظة موتها او بالأصح لحظة دخولها في غيبوبة مؤقتة والذي يزعم كثير من
الغربيين أنَّ أرواحهم قد صعدت فيه إلى السماء في تجربة الغيبوبة التي مروا بها،
وبعد أن كُتبت لهم الحياة مرّة ثانية عادوا ليحدثونا عن مشاهداتهم في تللك اللحظة لحظة
انعتاق الروح عن الجسد.لم تكن المشكلة في تراكم الملاحظة عند الغربيين في تللك
التجربة...فتراكم الملاحظة بلا شك له مدلوله الصدقي الذي لا يمكن لنا تجاهله ولكن
بالضرورة يمكن لنا غربلته حتى لا نقع أيضا أسرى لأوهام الناس وبهارات أحاديثهم
وتذوقهم الخاص لها .
غير أنَّ الإشكال الذي أرَّقني وأرَّقهم من
ثمّ "لماذا لا نرى نحن الأمم الأخرى هذا الممر النوراني ولا يحدث لنا؟ أم أنه
لا يليق بشعوب العالم الثالث أن تنعتق أرواحها في ممرات نورانية ؟!" بقي
السؤال في جعبتي وابقيت فكري منفتحا عليه ابحث عن جواب منطقي له فالإنسان هو الإنسان
اوروبيا كان أم اسيويا أم افريقيا.
وعلى
مائدة العشاء، في ليلة سمر مختلفة في ربوع بلاد بعيدة وتحت ضياء قمر ماليزي...كان
ما يؤرقني يؤرق الدكتور مالك البدري عالم النفس ومؤلف كتاب " التفكر من عالم
المشاهدة الى الشهود" في وجه من الوجوه وضمن حوار طويل شائق سألته وكان الجواب
بأبسط من تلك الفكاهة، فكان مجمل ما قاله: لأننا لا نتحدث
عما يجري لنا، وعلماؤنا لا يسألوننا، وأحد من الخبراء في عالمنا لا يسجل ما يلاحظ
من تجاربنا، فلا تراكم معرفي لدينا ولا إجابة على الأسئلة الشائكة والأحداث
الغريبة التي تحدث من حولنا في عوالم لم
نخبرها من قبل، حتى يعم طغيان الجهل وتُنتهك المعرفة العلمية بتوسع الخرافة
وتوارثها، وتتشوه العقيدة الإسلامية السوية بالاستناد اليها بهتانا وزورا في اثبات
ما لم تثبته بل أوضحته بصورة ناصعة بيّنة لم ينظر اليه بنظرة علمية واعية، نظرة
مؤطرة بإطار محدد لمعالم أية قضية تطرحها هذه العقيدة عن عوالم الغيب وساكنيه.
وفي محاولته على سبيل المثال لا الحصر لتتبع
ممرات النور تلك ومعراج الروح فيها في لحظة الغيبوبة كان يعمد الدكتور البدري الى زيارة تلك الحالات، وكان من
ضمنها السيد خالد مشعل عند تعرضه لمحاولة اغتيال، وغيبوبته المؤقتة على إثرها لكن
مشعل أجابه بالنفي، ثم سرد قصة أحد الصبية الذي لم يتجاوز عمره الرابعة عشر من
عمره وحدثه أنه رأى نفسه يقف في غرفة شاسعة من نور ثم رأى فيها عمر بن الخطاب
قادما إليه ثم أبو بكر الصديق وبعد ذلك رأى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم وقد
أخبره أنه سيعود للحياة، وقد استفتاه الفتى بأمر كان قد أرقه في حياته من ممارسته
رياضة السباحة في مسبح مختلط معتمدا على انزوائه وغضه للبصر فأفتاه الرسول الكريم
بالحرمة.. وتابع الدكتور البدري دراسته
بسؤال الدكتور محمود الرشدان إثر حادثة تعرض لها الأخير مع صحبه في امريكا
فبين له أنه لم يدخل في غيبوبة في لحظة وقوع سيارته من على جسر مرتفع في النهر غير
انه سمع صوتا يخبره أن موعد وفاته لم يحن
بعد الا أنه حدد له تاريخه، حدثته بدوري عن أغرب لحظة مرت بي في حياتي "عندما
كنت أغط في نوم عميق وأحسست بنقر أحدهم على كتفي الأيمن وكأنني في حالة صحو منبها
لي أن التلفاز قد وقع على ابني ذي السنتين من عمره وفي هلع شديد صحوت راكضة في
الممر الطويل إلى غرفة الجلوس لأجد التلفاز ما زال في حالة وقوع فتلقفته بيدي وأنقذني
ذاك الصوت من كارثة محتمة كادت أن تقع". "وعن لحظة ثانية رأيت فيها بعين
قلبي أحدهم يدفع الصغير من ظهره على وجهه ليقع أرضا وتنزف منه دماء سخية، وحنقا
على وجوده في بيتي عمدت إلى قراءة آية الكرسي سبع مرات رأيت على إثرها رؤيا العين
كلبا حالك السواد يقف خارج أسوار البيت مطرودا إلى حيث مقعده في
الجحيم".
في قصص لا تنتهي، وتجارب لا تخفى تحت أشعة
الشمس...يتساءل المرء هل كان الأول ملكا حافظا من أمر الله وكان الثاني شيطانا
مريدا يغلي حنقا على الإنسان؟ وأي اغفاءة تلك التي تأخذنا خارج مدارات الحياة
لتنفتح للروح معارج السماء في ممرات مضاءة بالنور بغض النظر عن طيب هذه الروح أو
خبثها؟! وإلى أي مدى يمكن لنا أن نتواصل مع الغيب دون أن تنصِب لنا الخرافة شراكها
فتكبلنا ؟! وكيف يجب علينا أن نعيد قراءة عقيدتنا في إطار المفاتيح التي سلمَتنا إياها
تلك العقيدة السمحة بما فيها من آيات وأحاديث لوضعها في الأبواب الصحيحة فلا تنغلق
افهامنا عما وراء الأبواب، أو نكسر المفاتيح بتعصبنا لتخيلاتنا دون الوصول
للهاديات!
في الوقت الذي رفض فيه علم النفس الغربي أن
يتعامل مع الإنسان إلا بشكل مادي مئات السنين
يضمن من خلاله اختبار كل سلوكه في المختبر، فأخفق في رؤيته المادية البحتة
للإنسان اثر معركة حامية الوطيس من سيطرة تحريفات هائلة على العقل وأدواته والغيب
ومفاتيح التعامل معه من خلال الكنيسة والدين، كان الإسلام من اللحظة الأولى يتحدث
في كتابه المعجز عن ثنائية الخلق، فاعترف للإنسان بخلقه من قبضة الطين ونفخة الروح، وبيَّنَ له عوالم
الغيب وقاطنيها بوضوح وأرشده الى التعامل معها ومعهم، وترك بعد ذلك المجال رحبا له
ليعمق تجربته من خلال تراكم ملاحظته ومشاهداته وتسجيلها، عاد الغرب بعدها ليكتشف
كم تأخر وهو يضع الإنسان في قفص المادية وحرمه من عالم الروح والنفس وطاقاتها
المتشعبة وتأثيراتها في أوجه حياة الإنسان الخاصة ووجه المجتمع العام، لكن الغرب
عاد محاولا أن يتدارك نفسه في علوم الباراسيكولوجي التي أسس لها المؤسسات والمعاهد
ليتفحص وجها آخر من وجوه الإنسان، فكان أن احتضنت الجمعية العلمية الأمريكية
للتقدم العلمي المؤسسة الباراسيكولوجية الدولية التي تعتبر أكبر مؤسسة للعلوم
النفسية في وقتنا الحالي، والباراسيكولوجي هو علم ما وراء النفس أو علم الطاقة او
سمّه علم النفس الغيبي أو يقولون عنه علم الخوارق، يقوم فيه على البحث العلمي
الرصين فيما وراء النفس من قدرات وخفايا أضف إلى تتبع الظواهر وأخضاعها للتجربة
للوصول إلى أجوبة مقنعة نسبيا عن كثير من الأسئلة التي إن بقيت عالقة ساهمت في
تكريس الخرافة والشعوذة والتجارة بعقول الناس وحياتهم حتى أموالهم، ففي صراع
العلماء الذي احتدم في الغرب حول الدراسات الروحية كان يرى مجموعة من العلماء من
خلال تجاربهم الشخصية أن التخاطر أو التراسل الفكري أمر حقيقي لا يمكن لنا انكاره
وقف العالم الغربي البروفسيور(دارلي بام) بعناد شديد يعارض هذه الظاهرة مدعيا أن أحاسيس هؤلاء العلماء ورغبتهم
الشخصية هي التي تتحكم بنتائجهم العلمية لكنه لم يترك رأيه هذا مجرد معارضة نظرية،
بل اراد أن يحدد بشكل صارم طبيعة هذه الدراسات الروحية وما خلفها من ظواهر حتى لا
تقع ضمن تأثير الخيال، بل لعله اراد نفيها أصلا، فأقدم على إقامة تجربته الخاصة الشهيرةعام
1983-1989 التي كررها أحد عشر مرة بعد أن جاءت النتيجة الأولى مخالفة لهواه، حيث
اعتمد 240عينة عشوائية من الطلبة ووضعهم في غرف متجاورة بينهما حواجز خاصة، وطلب
من المجموعة الأولى أن ترسل من خلال أدمغتها شكل الصورة التي تراها إلى المجموعة
الثانية وهكذا، غير أن ما فاجئه والذي جاء عكس توقعاته ان المجموعة الثانية كانت
على مقدرة عالية من وصف شكلا مشابها تماما لما تراه المجموعة الأولى.
في
مقابل ذلك تمتلىء كتب التراث الإسلامي بقصص تتحدث عن تلك الظواهر دون رعاية
علمية تُذكر أكثر من كونها مرويِّات دينية
أوقصص مسليِّة أو حتى مفاخرة على الغرب بوجودها بين أيدينا دون تأصيلها التأصيل
العلمي السليم المعتبر، فقصة سيدنا عمر بن الخطاب الذي قطع خطبته مع الناس ليتحدث مع
قائد جيشه ساريه وهو على بعد آلاف الكيلومترات عنه ناصحا إياه أن يحتمي بالجبل
مناديا عليه :"يا سارية الجبل الجبل " واستجابة قائد الجيش سارية لأمر
الخليفة، فيما يعرف اليوم بظاهرة الجلاء البصري وهي قدرات عالية يمتلكها بعض الناس،
ربما كان من ضمنهم ما قُص علينا في تراثنا أيضا عن قصة مشابهة نوعا ما عن زرقاء
اليمامة التي كانت ترى ما لا يراه الآخرون ولما لم يستجب لها قومها وهي تحاول
تحذيرهم من أنها ترى أشجارا تتحرك قادمة إليهم، كان جيش العدو يختبىء خلف جذوعها
ويتحرك من ورائها ايمانا منه بما تناقلته الأخبارعن سمعة اليمامة وقدرتها العالية
على الرؤية لمسافات بعيدة فاحتال عليها في حين كذبها قومها! وانتصر العدو لأنه بالتجربة كان يعلم أن سر زرقاء اليمامة كان
حقيقيا فهو أول المتضررين منه من خلال تحذيراتها التي تطلقها لقبيلتها لتجهيز
جيشهم عندما ترى جيش العدو. لقد علّمت التجربة العدو أن يأخذ حذره ليعلو وينتصر في
الوقت الذي لم تستطع أن تمنحنا نحن القوة لنبقى سادة على أنفسنا على الأقل إن لم
يكن على الأمم الأخرى، بل على العكس تماما فقد استغلت ظاهرة الجلاء البصري أبشع
استغلال عند الصوفية المبتدعة أو الحلولية اوسمِّها ما شئت فيما تعارفت عليه باسم
الكشف، فهل كان الكشف يحتاج إلى حلبات الرقص الصوفي والدوران وتدويخ العقل
والأقطاب والأبدال للغياب عن الحس والاقتراب من المطلق ؟! أو هل مارس ابن الخطاب
تلك الرقصات الخاشعة لينقذ جيشا بأكمله من أن يفتك به العدو؟! أو هل كان الكشف
يحتاج إلى تدلية اللسان في تدريبات رياضة اليوغا لنيل طاقة نفسية عالية؟! تعارف
العلم اليوم على تسميتها بالطاقة الكهروبيولوجية التي تحيط بالجسم على شكل إشعاعات
أطلق عليها اخيرا اسم " الهالة "وكان أول من أثبت وجودها أي الهالة
الدكتور (والتر كيلنر ) في مستشفى توماس بلندن الذي بدأ تجاربه عام 1911م ثم نشر
كتابه سنة 1920 بعنوان "الغلاف البشري" وتوالت على إثرها الأبحاث .
واذا كانت الصوفية المتطرفة قد استطاعت أن
تحافظ على العاطفة الإسلامية الجياشة فلا شك أنها أيضا استطاعت أن تشعل في العقيدة
كثيراً من الفتن، كما تفعل اليوغا تماما في عمليات نشر الكفر وخزعبلاته باسم
الطاقة وعبادة طلوع القمر أو غياب الشمس، أو بروز حتى قرني الفأر أو الشعاع الأحمر
المصفر، وكما فعلت كل العقائد الوثنية المستوردة تحت مسميات علمية مختلفة مما هيأ
لظهور المشعوذين والأفاكين الذين يستغلون طموح الإنسان الفطري في البحث عن المطلق،
بل إنني لأحسب أن علم الطاقة هذا سيجرعلى الأمم في العقود القريبة القادمة كثيراً
من ويلات الخرافة وسيُستغل أبشع استغلال إذا لم تُدرس كل هذه الظواهر التي تنشأ من
علوم الطاقة وأبرزها التراسل الفكري أو التخاطر والجلاء البصري والخروج من الجسد بتأنٍ
عالٍ وفلسفة واعية وعلى اسس سليمة تدرك أن للنفس طاقة وقدرة بيّنها قوله تعالى
"لا يكلف الله نفسا الا وسعها " تماما كطاقة الأجساد قد تكون على مستوى
من القوة في أحدهم ومن الضعف في أحدهما الآخر، بنفس الطريقة التي يمتلك فيها فلان
بنية جسدية قوية بعضلات كما يقال مفتولة ويفتقر آخر لها، للنفس أيضا وسعها وطاقاتها
وعضلاتها المفتولة، كان يسمى جزء من طاقاتها فيما سبق بالفراسة .
ورغم ما يمتلكه العرب والمسلمون من معارف
وعلوم وكتب وعلى رأسها المفاتيح التي سلمتها لهم الآيات والأحاديث والتراث الغني
بالمعرفة والأبحاث المختلفة المتنوعة التي قام بها الأوائل من مثل كتاب "
الروح " لابن القيم الجوزية، فلا تجد
اليوم توجهاً علمياُ سديداً يغربل الحقائق ويضعها في إطارها السليم، بل على العكس
تماما تنتشر فئات المشعوذين والدجالين وربما يمكن أن نطلق عليهم الأساتذة الحاصلين
على درجات عليا في الجهل وتجهيل الناس يتعاملون مع الجن والشياطين في تسقط أخبار
الناس وإرهابهم، كما تسيطر على الشارع العربي فكرة تلبس الجان بالإنسان بشكل أدى إلى الهوس الجماعي،
واستخدمت اللغة الدينية لتعميق الجهل والسلبية
بدلا من الإستفادة منها في تحديد معالم الطريق للأبحاث العلمية، ولم تتخذ
الدولة الرسمية أيِّ إجراء لا علمي ولا امني لوقف هذا المد المسموم الذي أرهق
الناس، فأين هي الخطط الدراسية والأكاديمية المتخصصة في كليات الدراسات العليا
التي تحاول أن تخدم من خلالها المجتمع وتعمل على توعيته بإرساء نظام التعاون بين
كليات الشريعة وعلم النفس وعلم الإجتماع وأقسام الفيزياء وعلوم الطب على سبيل
المثال لا الحصر لمناقشة قضية ما واحتوائها احتواءً سليما من خلال البحث العلمي
وتتبع كل الخيوط للوصول إلى العقدة وفكها والربط بين كل ضلوع المشكلة، مشكلة البحث
وتثبيتها لنصب فرضية واضحة يهتدي بها المجتمع من غرقه بين قراءة الكف وأبخرة
السحرة وعيادات الدجالين؟! وأين هي الأبحاث العلمية التي تعمل على غربلة التراث
بما فيه من آراء مختلفة متناقضة تسعى إلى دراستها من جديد في ضوء منهجية علمية
متطورة وأدوات علمية حديثة ؟! اذا كان هناك ذنب فالذنب ذنب الحكومات والإدارات أولا
وأخيرا تلك التي لم تحكم خطة واحدة للرقي بالإنسان العربي بل ساهمت بإهمالها
واستخفافها إيقاع الناس فريسة الجهل والوهم والخزعبلات وعيادات الدجالين
والمشعوذين والوهم وعلماء الطاقة الجدد! وهل يعمد القضاء في الدولة الرسمية على
تشميع محلات التجار المفسدين بالشمع الأحمر ويترك العيادات الطبية التي تتاجر ببيع
العقول وشرائها مفتوحة على مصراعيها؟!
ولإيضاح الصورة أكثر تحدثت الأحاديث النبوية
الشريفة على سبيل المثال لا الحصر عن حالة تصاب بها أذنا الإنسان بطنطنة ما، ووصى
الحديث على إثرها بالقول في تلك الحالة " ذكر الله من ذكرني بخير" رغم أن
الحديث قد ضعفه ابن القيم لكن الدكتورعبد الفتاح ابوغدّه رد الكلام على ابن القيم
في جدله حول الحديث كما صححه ابن خزيمّه في صحيحه، لكن ما يهمني هنا عمليا دلالات هذا الحديث من انتقال ذبذبة ما طويلة
الموجة أو قصيرة الموجة وكيفية التعامل معه هو أو ما شاكله من أحاديث أخرى فلم
ينظر اليه من الناحية العلمية، ورغم أن العقيدة الأسلامية اتبعت منهجا قويما في
الإرشاد والنصح ضمن كل الحالات المشابهة التي ذَكَرتَها وقفزت عن تفسير الظاهرة
لأنه ليس من مهماتها تفسير الظواهر، إلا أنها حثت في المقابل الإنسان أو تركت له
الظواهرليفسرها بنفسه ويتتبعها بما أوتيه من أدوات العلم والمعرفة، في حين اجريت التجارب
على قدرة تفكير شخص ما بإيجابية على شخص آخر ففي احدى التجارب في الغرب طلب من
الشخص (ب) أن يفكر بطريقة إيجابية بالشخص( أ) المصاب بضغط الدم و(أ) هذا لا يعرف
انه خاضع للتجربة فأدى ذلك التفكير الى تحسن في حالة ضغط الدم المرتفع والعكس
بالعكس ساءت حالته عندما كان( ب) يجلس في الغرفة المجاورة بالمستشفى يرسل له
تفكيرا سلبيا عنه.
والأمثلة المشابهة على ذلك كثيرة يتجلى كثير
منها فيما يعرف اليوم بالبرمجة اللغوية العصبية، وما البرمجة اللغوية إلاعلم نفس
تطبيقي يعمل على محاولة إحداث التغيير في نفسية وعقلية الإنسان من خلال التمارين
التي تجلب له الطاقة الإيجابية في الكون وتصرف عنه الطاقة السلبية وتتبع مصادر
وأوقات هذه الطاقة بشقيها، تمثل ذلك على سبيل المثال في الاستفادة من أشعة الصباح
الباكر واستغلالها وعدم قضاء الوقت في تلك الفترة في النوم تتضح صورة هذه الطاقة أكثر
في حديث الرسول الكريم " بورك لأمتي في بكورها "، وأحاديث أخرى تتحدث عن
توزيع الأرزاق في هذه الفترة من الصباح، فاذا كان الحديث يتحدث بلغته عن البركة في
ذاك الوقت فقد فسر العلم هذه البركة بالطاقة الإيجابية التي تتميز بها تلك الفترة
من النهار. أما في علاقتنا مع الكائنات اللامرئية على سبيل المثال ايضا لا الحصر
كالجن والشياطين فقد ارشدت النصيحة النبوية من خلال الأحاديث الصحيحة أن فوعة
الشياطين تكون في الساعة الأولى من الليل مما يستدعي إلزام الأطفال في البيوت خوف
الضرر عليهم ثم تخليتهم بعد ذاك الوقت، وتلك الحالة أشبه ما تكون بطفل متروك أمام
الطريق السريع الذي يعج بالسيارات والشاحنات ليعبره وحيدا دون حماية، فإذا كنا لم
نستطع أن نفسر الظاهرة فهل التزمنا على الأقل النصيحة أو لم نحولها إلى خرافة ؟! وهل
فكرنا ولو لدقيقة بفحص كل تلك الكنوز المعرفية التي نمتلكها وشرحها علميا
واستغلالها لصالح الصحة النفسية للإنسان الحداثي المُرهق ؟! لكننا لم نفعل لا هذه ولا تلك ، بل على العكس
تماما لقد سلمنا رقابنا للمشعوذين ليستغلوا جهلنا أبشع استغلال في تفسير كل هذه الظواهر كما يحلو للفاتورة
التي ندفعها على بوابات خزعبلاتهم التي غدت اليوم عيادات أثيرة أكثر إقناعا!
لقد أراح الإسلام الإنسان المسلم الملتزم بتعليماته وتوجيهاته من
التخاصم مع الكون بما فيه من فيزياء عملية وكائنات غير مرئية وما ورائيات، بل وهيأ
له سبل الإنسجام معه على كافة الصعد النفسية والجسمية والعقلية لكنه لم يخل
مسؤوليته من البحث والتنقيب والمعرفة وتفسير الظواهر، في الوقت الذي لم يفهم
المسلم دينه جيدا فآثر التواكل والكسل بل أكثر من ذلك فقد دخل في أتون جنون السحر
والشعوذة لأنه لم يحافظ على الهدف من الأساس بتوجيهه نحو العلم السديد بـ " اقرأ
" واستغلت مرة ثانية اللغة الدينية عن جهل وحماقة أو بقصد التكسب والرزق
لإشاعة أمراض عقلية كان أولها الوهم الذي اصاب مجتمعاتنا العربية بهوس اسمه المس
أو تلبس الجن للإنسان والتحكم به حتى تطور هذا الهوس الجماعي الذي كان مختبئاً في
بيوت المشعوذين وخلف دفتي كتاب الله فيمن يمسكه مرتلا له في زوايا المساجد ليكون
أكثر إقناعا فلبس لبوس العلم تارة أخرى بعد الدين وفتحت له العيادات الطبية تحت
مسمى الإخصائين النفسيين أو لبس لبوس التسلية والإثارة من خلال الخيال العلمي في أفلام
هوليود العالمية تارة ثالثة في حالة من
الهوس العالمي هذه المرّة في الأرض قاطبة مما زاد في انتشاره وتشربه في قلوب الناس
وفي مخيلتهم حتى غدا الوهم حقيقة، وانشغل الناس عن حل مشاكلهم بزيادة جهلهم بها.
كما لم تسلم أجهزة الهواتف النقالة للكثيرين
من الرسائل القصيرة في أحدث موضة يتبعها أولئك الدجالون محاولين اقناع الناس أنهم
مصابون بمس الجان أو ما شاكل ذلك من أمور السحر وأنهم على أتم استعداد لمعالجتهم وتقديم يد العون لهم، ووصل
الأمر في أحدث صرعاته إلى الإنترنت وبخاصة (اليوتيوب) لعرض صور عن حالات التلبس
تلك في دعاية مطلقة لتكريس مرض الوهم والإيحاء.
الإيحاء هذه الظاهرة الأكثر تأثيرا وفتكا في
علوم النفس، والذي تحدثت عنه كثير من الآيات القرآنية بصيغ مختلفة، فيتبين من خلال
دراسة الإيحاء أو الوهم أن كثيرا ما تكون علة حدوث الأمرعلى حقيقته كامن بتوهمه
وتخيله مما يعيق نشاط الإنسان بشكل طبيعي ليقع في دائرة الوهم. هذا الوهم القاتل
وما توحيه إليه النفس أو يوحيه إليه الآخرون إلى درجة الوصول إلى نهاية غير متوقعة
ولم تكن في الأصل موجوده، فاذا كان إيهام النفس
بهذا المستوى من التأثير بحسب الدراسات النفسية فلا غرابة اذاً أن تنتشر فكرة التلبس كالهشيم في
نار المجمتعات الإنسانية مع وجود كل أولئك الأدعياء الذين يمارسونها كوظيفة
يسترزقون منها وكأفلام يتسلون بانتاجها لتشويش عقول الناس، ومن واجبنا جميعا أن
نواصل البحث حتى لو أخفق الغرب في دراسة ونجحنا نحن في أخرى ثم استقام حاله في
رؤية ووقعنا نحن أسرى في ضلالة.
ولقد ذكر الدكتور عدنان الشريف في كتابه
"من علم النفس القرآني" "أن بعض علماء النفس الذين يؤمنون بالمس
الروحي يرون أن حالاته نادرة جدا وأنهم لم يستطيعوا أن يعثروا على حالة حقيقية
خلال عشر سنوات وأن كثيرا مما يرونه وهم خالص عند الشخص المعتقد بذلك". في
الوقت الذي أجرى أحد الإخصائيين النفسيين في المملكة العربية السعودية تجاربه على
أكثرمن ستين حالة من أمثال اولئك الناس وبين من خلال تجربته في العيادة ودراسته أن
ما يراه لا يعدو أن يكون حالات نفسية لا أكثر وأوضح أن الإنسان يمتلك قدرة عالية
على تغيير طبقة صوته وأن التغيير في طبقة الصوت ليس دلالة كافية على إثبات هذا
المس الروحي أو ما يطلق عليه بالتلبس، خلاف استمر عبر التاريخ فأيد بعض علماء
المسلمين فكرة المس بناء على آية سورة البقرة 275 في قوله تعالى " الذين
يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي
يتخبطه الشيطان من المس " ورفضه آخرون بناء على نظرية التكليف والجزاء
في الإسلام والتي يتبين من خلالها أن الإنسان مسؤول عن أعماله كافة وسيحاسب عليها
إلا المجنون الشخص الوحيد الذي ليس عليه جزاء، وهذا يعني أن الشخص الواقع تحت
تأثير وسوسة الشيطان محاسب حتما لأنه ليس بمجنون ولديه إرادة كاملة للقيام بكافة
واجباته على أكمل وجه ولا حجة له بامتناعه عن الصلاة لأن الجني "كندروش"
يمنعه، ولا يستطيع قراءة القرآن لأن "خربوش" يترصد فعله وهكذا دواليك،
ابسط مثال على ذلك دولنا العربية الخاضعة للهيمنة الأمريكية فشعوبها ستحاسبها على
أفعالها لأن لديها المقدرة لرفض هذا الخضوع ولكنها بإرادتها لا تريد.
وبناء على أن هذه الآية ليست دليلا كافيا
وتفسيرها لا يبني ذلك المفهوم فكان موقف الجبائي وابو بكر الرازي الطبيب موقفا
صارما من قبول فكرة التلبس بل رفضاها جملة وتفصيلا وغيرهم مثلهم من العلماء
الأقدمين اعتمادا على قوله تعالى في آية إبراهيم (22) مبينا قولة الشيطان حتى
لأوليائه يوم القيامه " ما كان لي
عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم "
فالآية في رأيهم صريحة وواضحة انه "ليس للشيطان القدرة على الصرع أو القتل أو
الإيذاء" .
وكل أنواع الوسوسة ابتداء من النزغ مرورا بـ
"اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون "الاعراف201 إلى أعلى
مراحل الوسوسة وهي حالة التخبط هي في نهاية المطاف ليست إلا دعوة فقط من الشيطان
وتقع ضمن هذا الإطار، وليست سيطرة مطلقة تفقد الإنسان أهليته للتكليف وتتحكم في عقله
وإرادته وتمنعه من الصلاة تارة أو قراءة القرآن تارة أخرى أو ايذاء جاره أو عصيان
والديه أو فعل ما يريد في الوقت الذي يريده، وقد فسر د.بسام جرار آية التخبط
بقوله" انها كقولك مات فلانا من العطش ، فالعطش هو السبب في الموت كذلك
المس" فالمس أو الجنون هو السبب في تخبيط الشيطان للإنسان، كشخص مجنون يسير في الشارع بلا وجهة يتلقفه صبية
الحي بالحجارة والسخرية والاستهزاء لأنه فاقد للقدرة على الرد عليهم وجزرهم كذا
الشيطان يتخبط الإنسان عندما يفقد قدراته العقلية وليس هو السبب في فقد هذه
القدرات. لكن النقاش لايمكن له أن يتوقف هنا فهو أعمق من ذلك وأبعد، فاذا كانت
الآيات التي تتحدث عن الأيحاء والإغواء والتزيين كفعل أساسي للشيطان فهناك آيات
تلفت النظر أيضا الى أمور أخر، وقد تجد نفسك مضطرا في كثير من الحالات الى الوقوف
متأملا حتى على حروف الجر وجذر الكلمات وما إلى ذلك من تفحص كامل لأسرار اللغة
العربية، فاذا كانت اللغة العربية هي لغة السماء المختارة فمما لا شك فيه اذاً
انها قادرة على الكشف عن أسرار كثير من العلوم بما تملكه من مفاتيح خاصة بها. فان
الربط لغويا بين كلمة الجن والجنون تجعل المرء يتساءل إن كان هناك حقيقة ما تربط
بين علة الجنون والجن؟! وهل تأثر الوسوسة في أشد حالاتها إلى إرباك عقل الإنسان
بما يسمى بالصرع؟! أم أن الجن قادر بطريقة أو بأخرى على التلاعب بكهربائية الخلايا
العصبية ؟! أم هي فقط علة لغوية بما تعنيه جذر الكلمة من الستر والخفاء؟! فخفاء
الجن حالة لتسميته بذلك كذا خفاء عقل المجنون واستتاره عن الفعل والحل والربط،
وأين نحن أيضا من أن بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن مس سيدنا أيوب عليه السلام
بقوله تعالى "إني مسني الشيطان بنصب وعذاب "غير أن هذه المس لم يصبه
بالجنون! إن أمرا كهذا يشعرنا كم نحن
بحاجة ماسة إلى الدراسات الكلية الشاملة المعتمدة في حالة الآيات والأحاديث على
المنهج الإستقرائي الذي يتتبع المفردات اللغوية ويعاينها بشكل مكثف ويضعها تحت
المجهر، طريقة لم يتبعها من قبل مفسرونا الأسبقون لذلك كانت كثير من إجابات
الأسئلة مبتورة غير دالة على معنى واضح.
وبين المؤيدين والمعارضين لفكرة المس لا بد من أن تُرصد
كافة الآيات والأحدايث في هذه الحالة بالطريقة الاستقرائية التي تعمل على استقراء
أو تتبع مصطلح أو مفردة ككلمة المس مثلا ورصدها ومناقشتها في مواضعها واستبيان ما
ترمي اليه في سياق الآية الواحدة وفي سياق مجموع الآيات ذات الموضوع المشترك ثم في
سياق الآيات جميعا ومعالجتها بعد ذلك من الزاوية النفسية والطبية.
وبين المؤيدين والمعارضين لا بد من الوقوف
على الحد الفاصل في مثل هذه العلوم حتى لا يقع المرء في فخ الوهم وشهوة تخيل عوالم
الغيب بما فيها نفوسنا التي بين جنبينا كما يحلو لمخرجي أفلام هوليود بما يسمى
عندهم بأرواح الموتى العائدة من عالم الغيب.
ذاك الغيب الذي هو مسكن الروح ومقرها، وذلك
الغيب الذي يستر عنا الشياطين ولا يخفي عنا تأثير أفعالهم ووسوستهم فينا، وذاك
الغيب الذي تفرش الملائكة فيه أجنحتها فتبسطها رحمة وحفظا وتواضعا لمكانة الإنسان،
وذاك الغيب هو ذاته الذي تختبيء فيه حتى النفس الإنسانية عن صاحبها فلا يراها ولا
يلمسها مع إنه يعاركها وتعاركه فيأمرها أو تأمره في أوجهها المختلفة من اللوامة
الى الأمارة وصولا الى المطمئنة. ذاك الغيب الذي كان أول صفة للمؤمنين الأتقياء في
أول سورة في القرآن الكريم عندما قال " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
الذين يؤمنون بالغيب " ثم أورد ايمانهم بالصلاة من ثمّ، في دلالة واضحة إلى أنَّ
الغيب يتطلب قوة نفسية واعية تتماشى مع
الفطرة التي زَرَعَتْ في النفس الإنسانية التوجه الصحيح. وكانت أي الفطرة بمثابة
المرشد العام لضبط الصورة من أن يشوبها الخبل، ومن ثم كان تعليم آدم الأسماء
ترميزا الى العلم، أهم مرتكز بعد الفطرة
للحفاظ على الصورة في اطارها التي إن انفلتت من عقالها ستتشرذم العقيدة
كشظايا الفسفور الحارقة مخلفة عقائد وهميه تعتلي عروش عقول الناس، ثم جاءت أوامر
البحث والتقصي والتفكر في أهم آيات القرآن من مثل قوله تعالى " قل سيروا في
الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشيء النشأة الآخرة إنَّ الله على كل شيء
قدير" (20)العنكبوت، وتكررت صياغتها ست مرات، كل مرة بتذييل مختلف، عدا أول آية
جاءت تطالب الإنسان بالقراءة والتدوين بالقلم، أي تسجيل الملاحظة والمعرفة ولكن
ضمن إطارها المحدد ايضا، القراءة باسم الذي خلق، لكن الإنسان بعمومه أبى...أبى الا القراءة في إطار
عقله المخلوق، فرفض عوالم الغيب، ولما عاد إليها عاد محملا بأوهامه الخاصة .
أوهام يبدو أنها لا تريد أن تنتهي ففي الوقت
الذي عجت بها الدنيا بقصص تلبس الجان للإنسان في عالمنا الإسلامي أو أرواح الموتى
التي تسكن الحقول والبيوت في العالم الغربي، من مراكش الى عمّان حيث تسير في ساحة
الفناء في مراكش لترى نفسك تتنفس أبخرة السحرة والمشعوذين مذهولا من عمق المأساة
في بلاد المغرب العربي أو ترقد منتظرا من أول الليل على بوابة الطبيب الأردني
الأعظم الذي أخذ وضعه من الشهرة الشعوذاتية لتأخذ بدورك دورا بين عشرات المساكين
حتى يترحم عليك بلقياك، الذي وصفه علامة الأردن الدكتور فضل عباس بأكبر نصاب فيها
على الإطلاق حيث يدّعي ذاك الطبيب العام أنه اخصائي نفسي أو عالم بأسرار الطاقة،
كشف فيما كشف في قصص أصبحت نوادر للمثقفين كشف لأحد الأمهات حالة ابنها من خلال
قراءة كفها وتلاوة التمتمات وسؤال الجنيات الجميلات من حوله، ثم اكتشف بعدما اندهش
انه طفل ليس الا صاحب خلق نكد خلال دقيقة دون أن يراه! كذلك تخرج علينا بعض
الكاتبات الأمريكيات اليوم ممن يدعون اختصاصهن بعلم النفس بقصة جديدة تأتي
بالأرواح من جزر الليماري التي غرقت في المحيط الأطلسي فارتحل أهلها من الهنود
الحمر إلى أرض امريكا، واليوم يعودون بعد فنائهم على يد الإنسان الأبيض الشريرعبرأرحام
النجوم في أحدث موضات العصر ليخلقوا لنا اطفالاً جدداً بمهام جديدة على كوكب الأرض
سموا باطفال الأندجو/ كريستال .
وعلى قناعة كافيه أنني سأقابل مشعوذة جديدة
بثوب طبيبة تعالج الناس من خلال العودة الى الطبيعة الأم، في أحدث قصة مرت بي قبل
أشهر، توجهت مع صديقتي التركية إلى الدكتورة رايدن من أصل روسي التي اكتشفتُ إثر
الحاح السؤال أنها لا تملك اصلا شهادة طبية ولم تكن في بلادها اكثر من ممرضة،
ابتدأتُ حديثي بحجة سؤالها عن وجع في ظهري، رغم إنني ذهبت إليها بنصف فضول وغثيان
مكتمل، لأكتشف آخرالاخبار العاجلة لأحدث استغباء للدجالين للبشر، وإثر شرح وافٍ
منها لي عن كيفية علاج الأمرمن خلال الصيام سبعة ايام أفطر في كل منها على الماء أو
العصير، ثم أكررالأمر ثلاثة مرات بمعنى أن أصوم واحداً وعشرين يوما على هذا
المنوال ثم اعاود الكرة أحد عشر يوما آخرين مضروبين في ثلاثة كل ذلك على شربة ماء
مع السماح بوجبة فقيرة في بعض الأيام لتنظيف الجسد من الشوائب، وصفة تبين أنها
تحفظها عن ظهر قلب وتصفها لكل الأوجاع وكل الناس بزيادة أو نقصان ، ولم يكن هذا هو
الغريب في الأمر فمنذ لحظة وجودي بادرتني برسم خطوط على يدي لتقول لي على إثرها أن
عبادتي في تحسن! فانكشفت لي أنا أيضا خطوط دجلها أكثر فآثرت استفزازها، ودار بيننا
حوار يشبه عصير الحامض حلو السوداني، قالت فيما قالته من غرائب وعجائب أن الدواء
حرام شرعا وقطعا، ولا مجال للشك في ذلك لا لأنه مادة كيميائية فحسب بل الأدهى
والأَمر لأنه من صنع الشياطين وسحرهم بهدف
تخريب جسد الإنسان، لاحتلاله احتلالا كاملا والعودة للسيطرة على الأرض وبسط نفوذهم
عليها من جديد، فالدواء هو أصل الداء، وهو أحد الأسلحة الشيطانية الفتاكة للسيطرة
على الإنسان، وإثر نقاش ترتفع وتيرته إثر كل جنون، استرسلتْ وقالت:" إن على
المسلمين أن يلتفتوا إلى ما يحاك من شر ضدهم، وأن
مركز السحر العالمي بالتعاون مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"
يحيكون المؤامرات ضد المسلمين ويتعاونون مع اصدقائهم من الجن والشياطين لحربهم،
وأن أوجاعنا وأمراضنا وهزائمنا وانتكاساتنا وتخلفنا العلمي هو بفعل مخططات وكالة
الفضاء ناسا"!. ربما علينا على إثر نصيحتها المفاجئة تلك عقد صفقة علمية مع
"هربوش المركوش" الجني المتعارف عليه بصاحب العلوم لمواجهة مخططات ناسا
الفضائية والصعود من فورنا إلى الفضاء بمساعدة هربوش وأعوانه للاطلاع عن كثب على
كافة الحجب التي رمت بها ناسا على كوكب بلوتو وفك عقدها وتخليص هذه الأمة مما حل
بها.
عادت بكل ثقة بالنفس لتواصل مقولاتها معلنة
عن أهم أسباب المعاناة وغفلة المسلمين عنها، ذاك أن علينا أن نواجه الحقيقة التي
تعاني منها الكرة الأرضية اليوم وهي تتمثل فيما غدت تنجبه أرحام النساء من
عودة ما يسمى بـ "أطفال
الأندجو" نسبة إلى لون هالة الطاقة النيليّة التي تحيط بهم، وهم أطفال تلدهم
النساء بأجساد بشرية وأرواح شيطانية يتميزون بسلسلة الـ " دي ان ايه "
المزدوجه بمعنى أن الكروموسومات التي تحمل الجينات كروموسومات مضاعفة. وإن ساركوزي
وبوش وأوباما وكثيرين منهم، وكثيرين من أولادنا وأحبابنا وادبائنا وعظمائنا
وفقهائنا هم في الحقيقة أطفال اندجو اي أرواح شيطانية بقالب بشري! وأن الإنسان
المكرم الذي خلقه الله ونفخ فيه من روحه أصبحت الشياطين تحتله من أخمص قدميه إلى أعلى
رأسه! وما أرحام النساء إلا آلة لإنجاب هذا المستعمر الجديد! ورغم عدم اختلافي
معها أن بوش روح شيطاني بقالب بشري، كانت تجتاحني رغبة عارمة بفعل
"المباكسة" والمباكسة في تعريفات قاموس الغضب الذي صنفته مؤخرا هي فعل
عدائي استراتيجي يهدف إلى ضرب المتحدث على فكه بقوة ثماني درجات على مقياس ريختر
لأحداث زلزال يدمر كل الخلايا العصبية التالفة في دماغه وإعمارها من جديد أو إعادة
استعمارها بعقل إنساني سوي.
وعلى
إثر الحديث مع سيدة الدجل تلك زدت يقينا أن الخالق العظيم قد منح الإنسان قدرات
هائلة مكّنه من خلالها أن يميز نفسه ويطبعها بطابع الخبل والجنون او أن يتعاطي مع
الحياة بالرشد والحكمة، ألم يقل عز من قائل " وهديناه النجدين"
فالدكتورة الروسية رايدن ليست الوحيدة التي حولت دراسة علمية عن أطفال الأندجو
وأطفال الكريستال إلى حالة جنون مطلق، فكثيرات من الكاتبات الأمريكيات والاخصائيات
النفسيات والكتّاب والأطباء هناك تعاملوا مع الخصائص العامة لأطفال الإندجو بمستوى
آخر من الشعوذه وبنفس الدرجة إن لم يكن أكثرمما لا يتسع المجال للخوض فيه
بالتفاصيل، لكن اذا كانت الدراسات تثبت خصائص معينه لأطفال العصر الحديث الذين
سموا بالأندجو من أنهم على ثقة عالية بأنفسهم وقد ولدوا ليكونوا أساتذة وأسيادا لا
يستجيبون للأوامر والنواهي بسهولة، ولديهم
مستوى عالٍ من الطاقة ويشعرون بالضيق الشديد تجاه الالتزام بنظام ما كالتعايش مع
نظام المدرسة والإنضباط فيه، وعلى استعداد دائم للتعبيرعن مشاعرهم بصورة جريئة
واضحة بل مفضوحة احيانا، ولديهم روح ثورية مقاتلة إلى أبعد حد، وأنهم يعتمدون على
مشاعرهم وعواطفهم للحكم على الأمور، وما إلى ذلك من الصفات السيكولوجية المختلفة،
فإن عشرات المقالات المهلوسة في مقابل أطفال الإندجو والدراسات المماثلة تحدثت عن
أطفال آخرين أكثر هدوءا وشفافية أطفالا انجبتهم هذه المرة ارحام النجوم وأشعتها في
إسفاف منقطع النظير يصل إلى حد تحويل الروح البشرية إلى روح ملائكية في حالة أخرى
تسمى بأطفال الكريستال في مواجهة مع الإندجو أو لتصحيح مسار اطفال الإندجو
الشياطين عادت تلك الروح الملائكية لأطفال الكريستال إلى كوكب الأرض لتعيد إليه
رحمة الملائكة، وبين الملائكة والشياطين وأقلام الدجالين واستغلال المشعوذين للغة
العلمية هذه المرة ضاعت حقيقتنا البشرية وطمست معالمها في الشرق والغرب وعند العرب
والعجم. أوإنهم كما يقولون في نظرية أخرى أطفال عائدون من رحم أرواح سكان أمريكا
الأصليين من الهنود الحمرعادوا ليُعلِّموا الجيل الجديد كيف ينساقون بسلاسة مع
الطبيعة الأم، تتمازج روحهم بروحها دون العودة إلى النظم والقواعد وعمليات التقنين
والتشريع في بهو شاسع من سباحة الأرواح في الفضاء والتواصل عبر الروح والعقل دون
الحاجة إلى الحواس في حالة رفض أن يكون هؤلاء الأطفال هم أطفال مرض التوحد كفرضية
قابلة للنقاش .
ففي الوقت الذي يقول فيه الطب على سبيل
المثال لا الحصر أن مرض التوحد الذي يعاني منه أطفال هذا العصر وله مواصفات محددة
من مثل فقد القدرة على التواصل لغويا وعجز في التفاعل الإجتماعي، وعوامل عدة
لنشوئه من مثل زيادة نسبة المعادن الثقيلة كالزئبق والرصاص في أجساد هؤلاء الأطفال
وما إلى ذلك من الدراسات القائمة لفهم هذه الإشكالية الطبية والنفسية لجيل يولد
فاقد للقدرة على التواصل السليم، تنطلق الدراسات الغربية وعلى رأسها الأمريكية
لتعتبر هذه الظاهرة هي تأسيس لجيل جديد من الأطفال يسمى بأطفال الكريستال يتميزون
بتواصلهم العقلي مع الآخرين لأنهم أطفال أعلى في المستوى الإدراكي من الناس العاديين
وأكثر تطورا، وهم ما يمكن أن يطلق عليهم بالأطفال الملائكيين هالتهم النورانية
التي تحيط بأجسادهم تتميز بلون إشعاع ذهبي على اساسه سُمُّوا بأطفال الكريستال،
يذكرنا كل هذا الهراء بما بينه ووضحه الإجتماعي الفذ ابن خلدون في مقدمته الشهيرة
منذ زمن بعيد جدا إذ ربط تأثير جغرافيا الأرض من تضاريس وسهل وجبل والعيش بقرب
النهر وعوامل الطقس وطبيعة التربة وخصوبتها ونكهة ما تحمله ثمر مزروعاتها واشجارها
من تأثير حقيقي في الطبيعة النفسية والعقلية لسكانها، واليوم تحقيقا لمقولته اذا
كان الهواء يلوث بعوادم المصانع والسيارات ومحرمات ما تجنيه الحروب من تخصيب
للتربة بمخلفات كيماوية وبيولوجية تتعمد تشويه أهل المناطق المستهدفة، واذا كانت
الأمهات يتفاخرن بالسجائر وشم نسيم الأراجيل وفي أرحامهن الأبناء، واذا كان
الأطفال يولدون في حالات أخرى خارج الأرحام في أنابيب مخبرية تحت اشعة شمس التجربة
والخطأ وشهوة الإنجاب، وإذا كان التلوث البيئي بكل أشكاله التنفسي والسمعي والبصري
وغيره الكثير مما تعجز مقالة كهذه عن وصفه أو حصره، واذا كان غذاء اجيال القرنين
الماضيين هو (الشيبس) و(البراغر) والصبغيات الملونة للسكاكر والحلويات والمشروبات
الغازية، وإذا كانت الفواكه والخضر تخضع لتعديلات على هندستها الجينية الأصلية ومن
قبل أقيمت لها البيوت البلاستيكية لتنمو في غير مواسمها وبرمجتها ببرامج جينية لا
تتبع لخصائصها الأصلية فلماذا نستغرب تغيراً ملحوظا في الـ " دي ان ايه
" في الجيل الجديد، إن كان ذلك أصلا حقيقة غير ملتبسة؟! ولماذا نخرج خارج إطار
الصورة بتعنت مجنون لنضفي على أنفسنا صفة العلم والفهم بدراسات هزيلة ترتكب جريمة
تكريس الخرافة والتدثر بالوهم على فراش من الجهل في اجمل العيادات النفسية الوثيرة
الأثيرة أو استوديوهات الفضائيات، لنعلن للخلق أنَّ الخَلْقَ اليوم خلقٌ شيطانيٌ
عائدٌ عبر نطفنا وأصلابنا للسيطرة على العالم؟! وما وكل ذلك الا لأجل دراهم
معدودات! أو ما هو إلا توجه همجي شرس محموم غير لائق ولا مدروس تجاه معرفة النفس
وطاقاتها وقدراتها لإشباع غرائز الفضول!
وليسوا ولن يكونوا إلا مشعوذين بلا حدود من روسيا فأوكرانيا فأذربيجان إلى
عاصمة العلم أمريكا مرورا بالأردن والمغرب وتركيا وفرنسا وإسبانيا تعريجا على جنوب
إفريقيا وغانا وغينيا وكمبوديا وفنزويلا والأرجنتين وغيرها الكثير من الدول بما
فيها من مدن وقرى وأرياف وعقول وقلوب وقصص وحكايا ولغات شتى، مشعوذون بلا حدود
استخدموا اللغة الدينية حينا واللغة العلمية حينا أخر وأنتجوا من تزاوجهما في أنابيب
الإثارة والتسلية والفضول والجهل لغة ليس لها مُسمّى سوى لغة الاحتيال .
وفيما بين المسامير المدقوقة على أبواب بيوت
الخلاء لزواج الجنيين بالإنسيات، وبين أرحام النساء التي غدت تلد أولادا من الجن
في هيئة البشر، لم يكن قصدي من هذا المقال على الإطلاق أن أجيب على كل الأسئلة،
لكن قصدي كان أنه إذا كانت الأسئلة واجبة فإن الأجوبة ممكنة، هكذا علمتني والدتي
أن لغة العلم ولغة الدين ستُنفي دوما كل فكرٍ بـ نكهة المستحيل ــ مستحيل الفهم ــ
وستُبقي دوما فكرا نكهته بـ نكهة الفواكه
الناضجة !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر هذا المقال في مجلة الدوحة
في قضية العدد السحر والشعوذة ــ تجارة الوهم
السنة الثانية ــ العدد العشرون ــ حزيران2009
كما نشر في مجلة البوصلة الإلكترونية
http://b-a.me/?TkRFMk9UQT0rdQ==
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة نشر المقال في مجلة الدوحة بعنوان أطفال الكريستال
كما تفرض ذلك إدارة المجلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ