المزيد
 

-

تركيا.. تاريخ الجنة..


تركيا.. تاريخ الجنة..

قال لي سآخذك برحلة الى الصحراء..

 تغيرت تعابير وجهي وتململت..

ماذا يمكن لمن شاهد جنة الخلد، وعبر نهر الكوثر على ظهر فيل أو غاص في عيني أسد وسط أكبر معقل لغابات افريقيا أن يرى في الصحراء ؟؟!!

وماذا يمكن لمن مرّ بالفردوس الأدنى على كوكب الأرض  في مدينة رأس الرجاء الصالح وصافحت عيناه التقاء المحيط الأطلسي بالهندي في آخر نقطة في القارةة الأفريقية على إطلاقها ان يرى في الصحراء؟؟!!

وماذا يمكن لمن عبرت عيناه من " نوافذ الله" كما يطلق عليها  في المنطقة الشرقية من جنوب افريقيا الى جنة عدن وغرفاتها الخضر الممتدة في الأفق أو العمق ان يرى في الصحراء؟؟!!

لا شك ان خللا ما أصاب عقل زوجي.. اوتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير !!

والصحراء كانت في منزلنا الرابع من عمرنا المتنقل بين سين من البلاد وجيمها بعد حياة دامت سبع سنوات في جنوب افريقيا البلاد التي تحضّرت في ربوع غابة.. وعندما توجهنا  الى الصحراء وكثبانها الرمليّة  في أول رحلة لنا من منزلنا الرابع قطر، تقف على قمتها لتكتشف ان روحك تغفو في طيات كلمة كن ايها الإبداع جنة بلون الذهب فكان.. تحتضنك في جنة الرمال الذهبية  يد البديع وترسلك من ثمّ كامتداد الصحراء اللامتناهي تذرف التسبيح دموعا غزيرة كأنك كنت هنا في لحظة الغيب.. ومن هنا نشأت قبل النفخ وعقدت العهد وتسلمت المفاتيح.. ويشرق في قلبك وجد صوفي فاق ما عرفته كل الطرق والإبتهالات في لحظة من غروب الشمس، قادرة تلك الصحراء اذاً ان تريك جمال الكون فيها وان تغريك بالبلاد لتقيم فيها.

يفعل الترحال فعله في الإنسان فيري من عجائب الكون ما يريه عجائب نفسه.. ويصنع كل بحسب ما يرى فلسفته ويعكف عليها عابدا.. ويخلق الله لنا الجمال لنراه في الصحراء والغابات والأنهار والبحار على السواء.. ثم يخلق للإنسان جمال عقله ليصنع على ذلك كله مجده ويبني من رؤاه حضارته ويحفرها في الزمن قائلا لله  "اني اشهد " أو متنكرا له متألها عليه  "أني أنا ربكم الإعلى ".

 وعندما يوقِّع الإنسان على الأرض حضارته وأرثه.. يورثه الله جنة الفردوس الأعلى كل بحسب ما  أعلن من شهادة.. عندها يكتمل معنى الجمال ويتوحد بذلك المشهد..

ولا مشهد بلا تاريخ يصنعه الإنسان في الكون ولا كون بلا اغراء مشهد الجمال فيه.. فلتكن الجنة أذاً بلون عروق الشجر أو سبائك الذهب الخالص أن لم يكن لها تاريخ من جهد البشر ستتساقط  كأوراق الخريف وتذوي في الفناء ولا خلود.

في تركيا وحدها تقرأ التاريخ.. أو أنك تطل منها على تاريخ الجنة..  وتطل عليك الأمبروطوريات كلها من نوافذ سهولها وجبالها وما تبقى من قلاعها.. وترى الآلهة كلها تصطف هناك في متاحفها وتضحك، وفي مآذنها السامقة في العلا تقرأ استمرار المشهد وكيف تم تداول الصو، ربما هي المرة الخامسة بعد انقطاع دام عشر سنوات عن زيارتها فضلتُ فيهم ان اسافر الى بلاد أخر لأستمتع بغيرها، فاكتشفت أنه ليس بعد تلك البلاد بلاد، وليس بعد اهلها في قلبي أحباب، ولا شيء اكثر من التاريخ فيها يمكن له ان يحيني، ولا شيء أكثر من قفر التراث في غيرها يمكن له أن يذويني تحت التراب، كيف لا وجبل جودى الذي حطت عليه الإنسانية في عهدها الجديد بعد الطوفان يقع في الشمال الشرقي من تركيا وفي أحد متاحفها تجد عملة قد صكت قبل الأف السنين عليها رسمة لسفينة مكتوب عليها اسم سيدنا نوح عليه السلام باللاتينية.

 هل فعلا بدأنا من هناك ؟؟!!

يحدثك متحف افيون عن البداية والإنتصار والهزيمة، وعن الصراع بين الحق والباطل وتأثر كل منهما بنسبة ما بالآخر، وامتداد هذا التاثير في حياتنا الى اللحظة الراهنة، دون حتى ان نلحظ، هناك تتفاجأ بكل آلهة اليونان، صغيرها، وكبيرها، حقيرها، وعظيمها، من مسيو هربوش الأكبر، نزولا الى آلهة البطيخ الاحمر، وبزر الشمام الأصفر، وآلهة خاصة بزمهرير الوجدان وقشعريرة الفكر.. يصطفون للناظر من خلف زجاج العرض وهم فاقدين للأهلية التي تمتعوا بها فترة من الزمن أو تمتع بهم خيال الإنسان فأجبرهم ان يكونوا آلهته.

ياآلهي!! ها هو زيوس كبير الآلهة ينظر اليك وتنظر في عينيه الحجريتين الفارغتين من اي معنى لأي معنى !! وتلك هي قوبلا انثى الآلهة الشهيرة ترزح متجمدة في تمثال حجر تحت احتلال المتحف، ونايك  آله الإنتصارات اليونانية والمسابقات الرياضية هنا ايضا، وآروس الهة الحب تُحفر على قبور اولياء اليونان الصالحين، ولأنها رمز للحب استخدم اسمها ــ صدق او لا تصدق ــ  كماركة للملابس الداخلية..!! تماما كما بقي اسم نايك ثابتا كماركة للأحذية الرياضية..!! وزيوس العظيم أو ديوس كما كان يطلق عليه الذي اشتهر بحبه للنساء، فكان زيرهم تحول اسمه قليلا مع الزمن ليصبح صفة لكل رجل ديوث لا يغار على نسائه، تلك هي الفلسفة التي يحدثك بها مدير متحف مدينة أفيون عن امتداد علاقة الأشياء بالماضي وعن قبائل الأناضول التي كانت تقطن المنطقة، ودخلت في حروب مع اليونانيين، كانت تعبد آله السماء "شامانيين " مع بعض الآلهة الصغيرة التي تقربهم اليه زلفى في اقتراب أو ابتعاد من عقيدة التوحيد التي ترويها لك الميثولوجيا هناك. وهناك كم تأثرت الميثولوجيا بعقيدة التوحيد وفكرة البعث، وترى كيف كان الناس قبل ثلاثة الآف سنة قبل الميلاد يدفنون في جرات كبيرة بنفس هيئة الأجنة في الأرحام ويوضع في فم الميت عملة حتى اذا ما اتت الملائكة لتأخذه الى العالم العلوي يعطيها رشوة لتعفو عنه، ويملأ الانابيب الطويلة التي دفنت معه في رحلته تلك بالدموع، حتى اذا ما كثرت قبل لقاء الرب عفى عنه وصفح.

ومع أن وجهتنا الى مدينة أفيون لم يكن بسبب من متحفها، فهي تعتبر عاصمة مستقبلية لسياحة الينابيع المعدنية بسبب ما تتمتع به مع مدينة أنطاليا بالينابيع المعدنية التي تصل درجة حرارتها الى 110درجات مئوية، وتعالج أمراض الروماتيزم  وأمراض الكبد والكلى، أضف الى الأكزيما والصدفية، مع ما تتمتع به من وجود خمس منتجعات علاجية يزداد الطلب عليها كمستشفيات ذات طابع فندقي، فإن تركيا التي غدت من أكثر دول العالم شهرة بالينابيع الحرارية بسبب  موقعها الجغرافي على صدع جيو حراري تمنحك الإسترخاء بكل الطرق، وتجد ضالتك بها سواء كنت باحثاً فيها عن التراث والثقافة، أوكنت طالبا للإسترخاء والإستجمام والعلاج، والحقيقة التي ما زالت تتركني في ذهول اليوم انني وبعد أن أصبت باحد انواع وجع المفاصل، كنت أظن ان الأمر لن يتعدى تلك الدعاية الإعلانية الفاقعة لمدينة أفيون، ولم يكن لدي شك في ذلك اطلاقا، أما وإن أوجاعي قد خفت بنسبة 75% وقد كنت استشعر بتلك المعادن من البيكربونات او الكالسيوم او المغنيسوم تتغلغل في مفاصلي، وتلتهمها عظامي التهاما  كجائع شرس انقض على فريسته من الطعام تعويضا عما بها من نقص، في تلك الحمامات التركية الرائقة كأنك تضع ليمونا على جرح أو ترش عليه الملح ايقنت كم هو جميل ان يكون في بلاد التاريخ التي تغرقك في تأملها ينابيع علاج لألم حلّ بالجسد.

ماتت الآلهة إذاً في متحف افيون تماما كما قَتَل اتاتورك مسجد آيا صوفيا في اسطنبول، رمز سيادة الأمبرطورية العثمانية  بتحويله الى متحف آخر بعد ان كان  قائما كمسجد في علاقة من التناوب لسنن التاريخ، ليفقأ بدينه الجديد علاقة الإنسان بالخالق في علمانية مضطربة متعاونة مع الغرب، ذاك ان مسجد آيا صوفيا كان رمزا للكنيسة الارذثوكسية الشرقية لفترة دامت 921سنة، شرع في بنائها الأمبراطور قسطنطين الاكبر عام 360م، ثم أعاد بناءها الأمبراطور جوستنيان في عام 532م، بعد ان تهدمت واحرقت عبر القرون، وقد جلب لها افضل المعماريين والاعمدة من انحاء العالم وجعل منها آية من الجمال، ثم اشتراها محمد الفاتح من اهلها بعد ان هجروها بماله الخاص وحولها مسجدا، وجعله وقفا اسلاميا خالصا، وبقي  لمدة 481 سنة رمز للإنتصار الإسلامي لخلافة دامت اكثر من ستمئة عام وصلت حدود فيننا وضمت اليها شرق صوفيا عاصمة البلغار واستأثرت بدول البلقان ونشرت الإسلام في البانيا وصربيا والبوسنه والهرسك وامتد اسطولها الى سواحل الصومال وشمال افريقيا، واستكثر عليها  (ابو الأتراك ) أتاتورك رمز انتصارها فحوَّلها الى متحف، ولا تزال جدران آيا صوفيا الوردية الزاهية  تزدان بالزخرفة الإسلامية التي تتجاور جنبا الى جنب مع النقوش المسيحية في تلاقح خاص لسنن التاريخ في تداول السلطة. وينادي مسلمو تركيا الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان البلاد الذين حافظوا على عقيدتهم، بإعادة فتحه كمسجد رغم الظلم الذي حاق بهم في عهد الأتاتوركية حتى وصل الامر الى اغرب ما يمكن لك ان تسمعه عن قانون القبعة، ناهيك عن محاكم الإستقلال والتي لا تختلف من قريب او بعيد عن محاكم التفتيش في اسبانيا فأي شخص يبدو على مظهره انه رجعي يشنق من فوره، ولإستبدال المظهر الرجعي بالمظهر االأتاتوركي الحديث صدر قانون القبعة، وكما حدثنا رفيقنا في السفر الدكتور برهان أوغولو كان يفرض لبس القبعة الغربية أو " البرنيطة" بدلا من الطربوش العثماني، ويحكي عن والده انه حين لم يكن هناك في القرية غير "برنيطة" واحدة كان رجال القرية يتداولونها بينهم كلما كان لأحدهم مشوار رسمي الى المدينة خوفا من العقوبات التي قد تصل الى حد الشنق، فقد اعدم في مدينة قسطمون وحدها عشرة الآف تركي رجعي من اب الأتراك مصطفى كمال أتاتورك حامي الديار التركية لأجل قبعة  !!

وفي مفارقة عجيبة لما يرويه تراث المسجد العالي في سوق الحرير(أولو جامي) في مدينة البورصة، الذي بناه الخليفة بايزيد في أظرف الحكايا عن تلك المرأة النصرانية العجوز التي كان بيتها يتوسط ارضا خاصة لبناء المسجد وفي محاولات الخليفة المتكررة لشراء بيتها لإتمام المسجد، ورفضها المطلق اضطر الخليفة بناء المسجد على الأرض الذي يتوسطه بيت تلك العجوز.. ترقبهم هي وقت كل صلاة من نافذتها يغدون ويروحون لأقامة الفرائض الخمس، ويُتمّون هم صلاتهم دونما مضايقة الجار العنيد عاما أثر عام حتى حانت منيتها، فأوصت أكراما لحسن جوار المصلين بمساحة بيتها ليضم الى بقية المسجد، وفي لفتة ظريفة قام المسلمون ببناء حوض ماء يتشكل من ست عشرة نافورة تحيط بها مقاعد الوضوء بشكل دائري على مساحة البيت، تخليدا لذكراها في وسط المسجد، كنت حريصة على رواية القصة لطفلي الصغيرين اللذين كانا يرافقانني، رغم ان نافورة الوضوء تلك كانت مغلقة لأعمال التصليحات، لكنني حرصت على رفعهم فوق الحواجز ليشهدا بشكل عملي كيف تنيع اخلاق المسلمين من وسط مساجدهم، ولا تتجمد بحيويتها يوما ما في متحف.. ولا حتى تستطيع قوانين القبعات ان تسفك لها تاريخا.. فالمدى الذي يمكن ان تطلق فيه الحريات في الدولة الإسلامية وقبول الآخر ابعد بكثير من حفنة شخوص حاقدة أو حفنة نصوص كاذبة تجلس على العرش وتمر عبر التاريخ لحفنة من السنين المضطربة.

نافورة اخرى كانت في القديم  تتوسط  المسجد الأخضر1412م في مدينة بورصة ايضا ولكن لسبب آخر، فقد كان في قسمه الأكبر من الطابق العلوي المشرف على ساحة المصلى ديوان للحكم تدير منه الدولة شؤونها مما كان سيسبب ازعاجا وضجيجا للمصلين، ولم يكن ليتم طرد الناس من باب الدولة ولا من مسجدهم فصممت النافورة بحيث تحجب اصوات العاملين في تلك المكاتب عن المصلين، هكذا كانت المساجد العثمانية المزينة بكم هائل من الزخارف وفنون الخط العربي وآيات القرآن والنقش الجميل، مصممة لتكون مركزا رئيسيا في الدولة، حتى انه كان يضاف اليها مع الخدمات االإدارية والعلمية، كالمدارس والمكتبات، والصحية، كالمستشفيات، دارا للمرق يطعم فيه الفقراء، من ابناء الدولة دون تكلفة ترهق كواهلهم بل تتولى الدولة عنهم شأن رعايتهم وأسرهم، يتجسد ذلك أكثر ما يتجسد في مسجد السليمانية في اسطنبول الذي ما زال يحوي أكبر عدد موجود في العالم الإسلامي من المخطوطات العربية أولاً والتركية والفارسية ثانياً، ناهيك عن الحدائق الغنَّاء التي تحيط بالمسجد حتى لكأنك تخرج من صلاة الى صلاة. ومع كم الزخرف الهائل الذي تتمتع به مساجد الخلفاء العثمانيين، فقد كانت هناك كثيرمن الأمور التي تراعى في البناء ولا يغفل عنها كتلك النافذة الأرضية الصغيرة في المسجد الأخضر التي تؤدي الى نفق ينتهي الى الحديقة مهمتها طرد الرطوبة الى الخارج للحفاظ على حرارة المكان، كما يلفت انتباهك وانت في الطابق الثاني تلك الغرفة مربعة الشكل والتي تنتهي في أعلاها بقبة مدرجة من وسط الغرفة حتى سقفها  تنتهي بطاقة صغيرة مفتوحة على  السماء  لسحب كل الطاقة السلبية والإرهاق من جسد الإنسان المنهك .

 

أعمدة رخامية في المسجد الأخضر في بورصة تحمي من ضربات الزلازل تحدثك عن فطنة العلم في ذاك العهد البعيد، وأربعون عامودا أخرى في المسجد السلجوقي في مدينة افيون (1273) تحدثك عن روعة الفن في عهد أبعد، مبنية ومزخرفة من خشب الأبنوس، لا زالت صامده هناك رغم مرور سبعمئة عام عليها، لم يدق فيها مسمار واحد، وأن استخدمت فيها تلك المسامير فلا تعدو أن تكون أكثر من مسامير خشبية، وثبتت تلك الأعمدة في اعلاها عن طريق الزخارف التي تحيط برأس العامود، كل واحد منها بزخرفة خاصة كبصمات أيدي البشر لا تتشابه.

خشب الأبنوس ذاته الذي يشهد لتلك اللحظات التي كان ينفرد بها السلطان عبد الحميد بنفسه مع ادوات نجارته لحظة غضبه او همه، لينفث ما يعتليه من كدر او ضائقة في الصدر في فن النجارة  الذي كان يتقنه، كما كان بعض حكام العرب ينفثون غضبهم بتقطيع آذان ابناء شعبهم او اطلاق رصاصات مزينة بقشطة خاصة من قهقهاتهم المجنونة لحظة رؤية دماء شعبهم تراق.. حالة صفاء تنتشي بها نفوسهم ولكل حالته، ثم اطلق على اولئك الحكام بالشهداء العظام..!! كنت فقط أقارن وانا اقف على الباب العالي لمسجد الطريقة المولوية بأفيون ومرشد المسجد يحدثك عن ان هذا الباب الخشبي الفائق الروعة من صنع يدي السلطان عبد الحميد، وعلى علات السلطان عبد الحميد واصلاحاته التي امتازت بالإصلاحات الإستبداديه، بقي السلطان عبد الحميد وسيبقى شفافا رائقا يدرك من دون غيره أن الأرض التي زخرفت بقداسة خاصة لا تباع ولا تشترى، فهو الذي صنع لنفسه حامل قرآنه الخشبي، ولم يسمح لأحد بأن يحمل عنه عبء مبادئه، فحفظ له التاريخ ما حفره من نقوشه الخاصة على ابواب المساجد او بالأصح على بوابة بيت المقدس فرحل وبقي حامل قرآنه يؤكد منع البيع !!

في تركيا يأخذك التأمل في كل شيء ويسرح بك التاريخ في مراعيه.. فالمسجد السلجوقي ذي الأربعين عامودا هذا لا يفتنك وحده بصموده، رغم كل ما تعرض له من حرق ودمار وإغلاق بل ويفتنك موقعه، البيوت الملونة المرصوفة على جانبي الطريق تغريك بان تكون خلفية لصورة فوتوغرافية، القبة الخضراء التي تقابله والتي يقال أنها اعتبرت ضريحا لأحد قيادات السلجوقيين "بطّال غازي" .. الدرج العتيق الصاعد بك من هناك الى القلعة، قلعة البيزنطيين التي تقع على اعلى قمة في افيون لا تصلها انفاسك اللاهثة، وقد ناطحتْ السحاب وتحدثتْ عن تاريخها للنجوم وكيف وصلها " بطَّال غازي " وحررها من البزنطيين.. كل تلك القصص الجميلة تفتنك كما يفتنك ممثل تركيا الأشهر "جونيت أركان " الذي حملت أفلامه الثلاثون قصصاً صريحة أو رمزية عن فترات مختلفة من تاريخ العثمانيين والسلجوقيين من قبلهم، فهو ممثل الأتراك الحقيقي، اما يقوم بدور حامي السلطان وإما حامي الديار من البيزنطيين، ويتابعونه بشغف مجنون تماما كما تابعنا نحن مسلسلات تركية لا تجد رواجا عند الأتراك أنفسهم، بل ويستغربون من موقفنا العاطفي تجاهها وهي لا تسمن ولا تغنى من جوع عاطفي أو أرث حضاري.   

 و(أولوشنار) ذاكرة التاريخ التي اجتمعت في شجرة، وكأنها متحف غيرأنها حياة، تورق وتتمدد بأغصانها فتجتذب تحتها أحلى الجلسات، وأطايب الطعام، فتحتار من أي زاوية تلتقط الصورة وتحت اي غصن عذب أو أي فرع من ابناء العثمانيين انت اللحظة جالس، تلك الشجرة التاريخية التي يعتز بها الأتراك جميعاً، يقارب عمرها عمر الخلافة، تتميز بضخامة جذعها الذي أحاط بستمائة عام من شهود التاريخ ."أولو شنار" التي غدت مكانا سياحيا لابد للقادم الى مدينة بورصة من التوجه اليه كأكبر ضابط من عهد الخلافة العثمانية  لا زال شامخا هناك يلقي تحيته العسكرية لـ "عثمان بن ارطغرل" مؤسس الخلافة العثمانية والتي تنسب اليه  وفاء لجهاده الذي دام سبعة وعشرين عاما وكأكبر شاهد على ثقافة "الفتوة" التي عرفت بها قبائل الأناضول التي  قام الأمير عثمان باستغلالها ايما استغلال في جهاده ضد البيزنطينين، وكأكبر دليل على ان الشجر والحجر ايضا يحمل ذاكرة يرفض احيانا ان يموت خشية ان تستسلم ذاكرة الأجيال  للنسيان فلا يعود ملهما لكل من مر من هنا من الأحفاد  .

 بجمال بورصة الخلاب وتفاصيلها الكثيرة وسوق حريرها  ومما تتميز به من سحر وفتنة يبدوان أكثر ما يبدوان عند صعود (التل فريك)الذي يمر فوق جبالها العالية الخضراء خاصة في فصل الربيع والذي ركبناه في زيارتنا الأولى للمدينة، وينتهي بك في مطاعم خاصة للشواء في اجمل المروج التي يمكن لعين ان تراها. و(أولوداغ) ذاك الجبل العظيم، الذي يأتيه السياح من أقطار الدنيا لتسلقه، والمرح بالثلوج التي تغطيه، والتزلج عليه، والذي حرمت طفليَّ ورفقاء السفر من التوجه الى قمته بسبب ما يعتريني في كثير من الأحيان من رهاب المرتفعات، الا ان حنيني المتدفق الى الشجرة التاريخية (أولو شنار ) ومتوضأ النصرانية العجوزفي المسجد العالي(أولو جامي) هما  أكثر ما شجعاني للموافقة على اقتراح إقتطاع يوما من ايام مدينة افيون لشد الرحال الى  مدينة بورصة، أولى حواضر السلطنة العثمانية، التي كانت هدفا عزيزا للأمير "عثمان " 1258م-1326م، مؤسس الدولة العثمانية، والتي تنسب اليه، بعد ان دحر البيزنطيين في كثير من المدن والقلاع حتى لجأوا في آخر مآلهم الى بورصة والقسطنطينية، وتحققت امنيته أخيراً وهو على فراش الموت وقد بلغ السبعين من عمره بالإستيلاء على بورصة ونقل ابنه أورخان غازي الذي فتح المدينة جثمان والده ليدفنه فيها ولتصبح من بعد ذلك عاصمة الخلافة العثمانية الأولى .

تركيا اليوم التي تصل مساحتها ثلاثة أضعاف المملكة المتحدة أو أكثر لا يمكن لك بحال من الأحوال ان تقف على تفاصيلها من طبيعة خلابة ومتاحف ومساجد وكنائس وقصور واسواق مسقوفة ومطاعم، فتفاصيلها تمتد الى ما قبل الفي عام او  ثلاثة الاف عام قبل الميلاد الى لحظة الخلود الإسلامي فيها.

هنا، لكل ساحة  حكاية ولكل مسجد رواية ومع كل زخرفة تستطيع ان تنشئ مجلدات عن تلك الحضارة.. لكن متحف تركيا الأكبر والأوحد لإرثها وتراثها وميراثها ومخزونها الثقافي تستطيع ان تلخصة في مدينة واحدة اطلق عليها يوما "اسلام بول"اي مدينة الإسلام ثم اشتهرت باسطنبول .

اسطنبول.. المدينة الوحيدة في العالم التي تمتد على جبين قارتين.. آسيا وأوروبا .

واسطنبول .. المدينة الوحيدة في العالم التي ربط جسرها "جسر البيسفور"  بين قارتين أو قل بين مساحتين رحبتين من ثقافتين مختلفتين وديانتين وحضارتين.. الشرق والغرب.. بكل ما في الشرق والغرب من آلهةٍ قد تعددت وآلهةٍ قد تجسدت، وآلهٍ توحد اسمه تحت قباب ومآذن إسلام بول. 

وهنا في اسطنبول ضربت جذور تاريخ الدنيا عمقها في الأرض بأقدم نسخة معاهدة سلام موجودة في العالم والتي يحتويها متحف الشرق، معاهدة قادش المكتوبة بالأكادية ويعود تاريخها للعام 1269قبل الميلاد.. كيف لا وأنت  ترى العالم يشرق على حرف السلام هذا أويغرب عن جشعه بتلك المآذن السامقة التي تمتد في افق المدينة، وتنعكس شفافة على مرايا بحر مرمره كلوحة سرمدية لا نهاية لحدود الجمال فيها، في التقاء فريد لجمال خلق إلهي انحنت تحت هامتها ابداعات هندسة بشرية، لمآذن آيا صوفيا الأربعة بأمر من السلطان، وقباب المسجد الأزرق بأمر من السلطان، وهيبة مسجد السليمانية بأمر من السلطان، لتحقيق أمر واحد.. علو لأمر الرحمن. وأنت تتوسط  مراكب بحر مرمره لترى ما لا عين رات ولا خطر لك في منام ..ربوة مرتفعة ومآذن عليها منتصبة، وشمس تشرق من غسق ذاهب أو تغرب في شفق غائب لتشهد ان الكون رُصفت فيسفاءه هنا  في هذا المشهد..مشهدمآذن سماء اسطنبول  .

 وإن كانت الأشياء التي تأسرك في تركيا  عظيمة فإن ما يتجول معك ايضا من الأشياء الصغيرة في ذاكرتك يستحق ان تسجله في يوميات مسافر.. أليست الأشياء الصغيرة هي دعابة السفر للمسافر.. ففي سيرنا على الأقدام مسافة لا بأس بها بين مكان وآخر في البورصة  كنت أحاول التقاط كل الذبذات الملفتة في شوارع البورصيين ودكاكينهم، كما كان يفعل طفلاي معي في حوادث أخرى مشابهة في اسطنبول، عدت القهقرى خطوات الى الوراء والقيت برأسي على نافذة العرض في أحدى الدكاكين لأتأكد أن ما شاهدته هذه المره ليس مسجداً ولا شجرة تاريخية ولا حتى نافورة لمتوضئ، بل هو بالفعل مخلل لفاكهة تسمى بالموز.. ولأنني لست من هواة المخللات أصلا، ولربما حرمت عائلتي من جميع اصنافها فهي لا تأخذ نصيبا من مطبخي ولا تجلس على مائدتي، ولأنني ايضا لست من محبي نكهة الموز في العصائر او الكعك أو ما سواهما فقد فاجأني وأذهلني ان يكون هناك شيئا اسمه مخلل موز !! أويحبه البورصيين حقاً؟؟!! تأخرت عن الركب الذي اختفى عن ناظري وعدلت من وقفتي، فقد كان لا بد من التقاط صورة لمخلل الموز هذا والذي يصطف مع كم هائل من المخللات الزاهية الألوان، وبدون تقشير، وتساءلت في نفسي ضاحكة: هل يأكلونه حقا ؟؟.. وكيف يأكلونه بقشره ام أنهم  يقشرونه ؟؟!!

وابناي الصغيران اللذان كنت أحاول لفت انتباهما الى الأشياء العظيمة والمهمة، كانا يفاجآنني تماما كمخلل الموز هذا، بما يلفت انتباههما من الأشياء الصغيرة في عودتنا  الى مدينة اسطنبول، بعد ان كنا قضينا خارجها خمسة ايام، كان الشوق قد بلغ بي مبلغه لزيارة الميدان الكبير الذي يضم آيا صوفيا، والمسجد الأزرق، وخزان الماء الذي يمتد أميالا تحت الأرض، ومتحف اسطنبول الرئيس "توب كابي "، والذي بناه السلطان محمد الفاتح عند فتح القسطنطينية كدار حكم وقصر منيف يستقر فيه مع وزرائه وأمرائه.

كنت أنا اريد ان الفت انتباه ابنيّ الى الخمسة والستين الف تحفة التي يحتويها المتحف، والحقبة التاريخية التي يعبر عنها في زمن الخلافة العثمانية من اصغر الأشياء، كأواني الطبخ وملابس السلاطين الى اكبرها من من العروش المرصعة والجواهر الثمينة المتبادلة كهدايا بين السلطنة والملوك في انحاء الدنيا، عدا عن رموز تمثل الأنبياء كسيف ينسب الى سيدنا داوود عليه السلام وعصا تنسب الى سيدنا موسى عليه السلام وعمامة يقال انها لسيدنا يوسف وقدر خاص لسيدنا ابراهيم، ولوحات الكترونية تبين كثيرا من التواريخ كولادة سيدنا ابراهيم في مدينة اورفا التركية على الحدود مع سوريا عدا عن سيوف الصحابة: الزبير بن العوا،م وعمر بين الخطاب، وجعفر الطيار، وخالد بن الوليد، وثوب من الكتان للسيدة فاطمة رضي الله عنها وأخيرا وليس آخرا سيف الرسول صلى الله عليه وسلم واحدى شعراته وسنَّه والصندوق الذي نقلت به بردته، وبردته التي أهداها للشاعر كعب بن زهير، وكوب ماء كان يشرب به، ومصحف عثمان وهو أول مصحف مدون بالخط الكوفي ..خمسة وستون ألف تحفة وأثر ورمز في متحف "توب كابي" تسرقك من نفسك وتستردها بصعوبة وانت خارج من السراي او الباب العالي، وابناي يلاحقان بنظراتهما وقفزاتهما ومشاكساتهما القطط التي بباحة القصر، ومساحاته الخضراء، وفناءاته الواسعة  ويحتضنانها، كأثمن هدية يمكن لطفل ان يتلاقاها في ممرات التاريخ ما دام طفلا !!

وكنت انا احاول لفت انتباه ابنيّ، ونحن في سيارة الأجرة  الى سور القسطنطينية المتآكل، كيف كان لا يقاوم!! وكيف بدأت الحكاية، وكيف انتهت بهذا المنظرالشاسع لبيوت الإسطنبوليين مترامية على جهتي البيسفور بلا اسوار تحدها ولا حدود في مشهد خلاب، وكانا يصرخان باعلى صوتيهما منطاد ..منطاد ..!!هكذا كانا ينظران  للأعلى وكنت انا انظر لأثرٍ كان هنا. أو ربما كنت أنظر للماضي وينظران هم للمستقبل.

 

وكم حاولت لفت انتباههما الى قصر "دولما بهجت" بكل ما فيه من قاعات وصالات خاصة واثاث مصطف وأرائك من زمن غابر، والحرملك (غرف نساء القصر )،والسرملك (غرف رجالها وزوارها)، والقاعات الضخمة في اسفل القصر والتي كانت تستخدم لإجتماعات اشبه بالبرلمانية في طلة آخاذة على طول بحر مرمرة ومضيق البيسفور ..وهما ينظران الى كعب أقدامهما وينشغلان متضاحكين بالخف المصنوع من اكياس النايلون، يخشخشان به كأنه فرحة الدنيا قد لبستهما ضاحكة معهما، والذي على الزائر ان يلبسه قبل دخوله حفاظا على سجاد القصر الثمين.. هذا القصر الذي بناه السلطان عبد المجيد ثم انتقل اليه من قصر( توب كابي)، والذي أعتبر أفخم وأكبر القصور العثمانية، وقام مصطفى كمال اتاتورك بانتقاده بشدة، واتهم العثمانيين بالأسراف فيه ثم سكنه وعاش فيه فترة حكمه، وأبى الا ان يموت في ربوع فخامته، في الوقت الذي رفض السلطان عبد الحميد السكنى به، واعتبر أن الحياة فيه زيادة تكلفة على الدولة بدون وجه حق فانتقل الى قصر أصغر حجما وأكثر تواضعا قصر يلدز.

كانت رنات صوت طفليّ لا زالت تدور في رأسي، وهما يدوران حولي في كل صباح،وأنا أحاول ان أكسر رقبة المرض الذي ألمّ بي ..

 (_بدنا شيبس ..

_وشوكلاطه كمان

_ما بدك تذوقينا الشيبس التركي ؟؟!!

_طبعا طبعا ..الشيبس التركي من أهم مكونات التاريخ التركي الحديث !!

ويرد ابني ذو التسع سنوات بمرحه الساخر..

_كيف عرفت ؟؟!! واو شو أنت أم  ذكية !!

_ واو شو أنت ولد أزعر !! )

لم اشترك مع طفليّ في شيء. كانا  يعيشان في وادي الطفولة، وأعيش أنا في وادي التاريخ وشظايا روحه التي ما زالت  في كل زاوية من أرض هذه البلاد.. الشيء الوحيد الذي اشتركنا فيه هو أننا عندما دخلنا  المسجد الأزرق لم نُرد الخروج منه.. !!

 لم يكن مهماً كم الزخارف النباتية الزرقاء التي تملأ قبابه وجدرانه، ولا عدد الأعمدة ولا طولها أو نقوشها ولا حتى منبره المطعم بالعاج، او عدد نوافذه المحيطة بزجاجها الملون بفنائه الرحب كل هذا وأكثر ليس هوالمهم ولا هو الذي يغريك بالبقاء فيه.. باختصار شديد.. انت لا تُفتتن بالبقاء في المسجد الأزرق لأنه جميل الفن او عظيم الهندسة، أنت لا تدري لماذا، أنت تفنى فيه !!

مما جعلني اتساءل عندما رأيت أوباما يدخل المسجد الأزرق في نشرة الأخبار ..هل خرج الرجل منه كما دخله، هل كان يهمه حقا من بناه وكيف بناه ولماذا بناه وتاريخ البناء ومهندسو البناء ومن دق الاصداف ومن حفر التوليب.. ربما لم يكن بحاجة الا للحظة يستَّروح فيها فيه، ومع انه لم ينلها، لا شك ان روحانية الأزرق قد طبعت بصمتها فيه، حتى ولو كتمها !!

ولا غرابة إذاً لماذا داست بساطير الأتراك تلك العبادة السياسية التي فرضها عليهم اتاتورك، لصنمه العظيم، وبقوا على عهدهم مع الأزرق، يملؤون ساحاته وباحاته الخارجية بركوعهم وسجودهم ويملؤهم هو بفيضه النوراني، مات اتاتورك وبقي الأزرق!!

هنا.. في تركيا.. أنت منسجم مع كل شيء، ولكل شيء عادي تمر عليه طعم خاص تتذوقه، الرجل المسن الذي يقف خلف عربته يصفف الكستناء المشوية عليها في اجواء البرد التي تلف البلاد والسيِّاح، الفلاحة البورصية التي تقف تحت مظلتها وخدودها الطازجة تحكي عن نضارة خضرواتها التي تبيعها على قارعة شجرة " أولو شنار"، و"شنار" تعبير للإنسان الصامد بالتركية، و"اولو"، تعني العالي او العظيم، حتى النكتة التي اطلقها زوجي على تعبير شنار التي تستخدم في تركيا أكثر ما تستخدم كمثال للمرأة الصامدة في بيتها، فانتهز الفرصة ونحن نقف على جذعها الضخم ضاحكا، وقال: "يعني كلما كبرت المرأة وصمدت في بيت زوجها تسمن أكثر" !!ومع انني لست بسمينة ولا بكبيرة، كل ما في الموضوع انك تنسجم في تركيا مع المطاعم والماكولات والـ"أيْران " أو عصير اللبن المملح، تماما كما تنسجم مع الأسواق والحلويات من المأكولات والألبسة، فتعود بكم من الأوزان، أثقلها وربما أجملها هذا التاريخ الذي لا ينفصل عن التاريخ العربي كثيرا اوعن المنطقة بأسرها، تماما كما شرحها البروفيسور أحمد أوغولو والذي تنصب وزير للخارجية لحظة كتابة هذا المقال، وكان مستشارا من قبل لرئيس الوزراء الطيب أردوغان في لقاءه مع الباحث المتخصص في الشؤون التركية محمد نور الدين حيث قال :"سألني أحد الباحثين الأكاديميين وكان يقوم بدراسة، سؤالا عن الفرق بين التركي والعربي، فسألته أي عربي وأي تركي تقصد؟ لأن التركي الذي يعيش في مدينة أورفا يشبه العربي الذي يعيش في حلب أكثر مما يشبه التركي الذي يعيش في مدينة أدرنة التركية، وفي الوقت نفسه، فأن العربي الذي يعيش في مدينة حلب يشبه التركي الذي يعيش في مدينة أورفا أكثر مما يشبه العربي الذي يعيش في السودان. يجب علينا إدراك هذا التقارب الموجود بيننا، وألاَّ نبني عداوات دائمة من خلال حدود مصطنعة. لقد مضى التاريخ وانقضى وارتكب الجميع خلاله العديد من الأخطاء المتبادلة، وذلك لكوننا بشرا وليس ملائكة "(1) "أنشأنا الدولة العثمانية معاً، واستمرت اربعمئة سنة لكنها لم تكن دولة تركية. فقد كانت الدولة العثمانية دولة عربية وبوسنية والبانية في الوقت نفسه. فهل تعلمون من كان الصدر الأعظم في نهاية المرحلة العثمانية؟ لقد كان خير الدين باشا التونسي من اهم من تسلم منصب الصدر الاعظم في زمن السلطان عبد الحميد ثم تسلم سعيد حليم باشا التونسي منصب الصدر العظم في زمن المشروطية. وكلاهما عربيان. وهذا يشبه ان يتسلم أتراك وزارتيين متتاليتين في دولة عربية. أنني أقدم هذه المعلومات لأقول ان الدولة العثمانية لم تكن قادمة الينا من الخارج ،بل كانت شراكة وكنا جميعا موجودين فيها " (2). ان تقرأ كلام الرجل عن هذا التجانس وتتعرف على رؤيته في اهمية النظر الى مصالحنا الإقتصادية المشتركة بسبب هذا الجوار تماما كما يحدث على سبيل المثال بين مدينتي سترابورغ وفرانكفورت على الحدود الفرنسية الالمانية مما يعين على سد ابواب الصراعات السياسية، ويزيد من وحدة أهل المنطقة،  ثم تجالسه على مائدة العشاء في ليلة عيد الأضحى، وتسمع منه مباشرة، يؤكد لك بل ويزيد من نشوتك  بان شعورك تجاه هذه البلاد وأهلها كان دائما صادقا ..وان ما تقرأه في الكتب أو ما تراه على أرض الواقع لا ينفصلان عندما يكون الحديث عن تركيا وصادرا من تركيا..

تركيا التي ابدع ابناؤها في كل شيء. وترى بام عينيك لوحات فنية زُخرفتْ نقوشها على وجه الماء لا سواه من جبس أو خشب، تضعها بين يديك الفنانة الصديقة نوردان، في الفن الذي يطلق EBRU عليه بالتركي

 فتتأكد انك لا زلت في تركيا ..وأن الأحفاد هنا قادرين على ان يبدعوا بأكثر مما أبدع الآباء.

يحق لتركيا  بعد ذلك كله ان تكون تاريخا عظيما لجنة على الأرض  بلا منازع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)تركيا الصيغة والدور، محمد نور الدين ص230
(2)المرجع السابق ص232

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا المقال في مجلة الدوحة باب اسفار
السنة الثانية ــ العدد الثالث والعشرون ــ رمضان1430ــ سبتمبر2009
ملاحظة: تم تغيير العنوان في المجلة بحسب ما تفرضه إدارتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



تاريخ الاضافة : 23/10/2010 -- 04:48 PM
عدد المشاهدات :
5058
الإسم بالكامل :
البريد الإلكتروني :
التعليق :
 
   
أضف تعليقك

الإسم : هارون الرشيد عمر

03/12/2012 -- 07:37 PM

ا لموضوع / طلب مصاحف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . نهديكم أطيب التحيات ،ونسأل الله لكم التقدم في أعمالكم . السادة الكرام نحن اخوانكم في [ جمعية الإرشاد الخيرية - غانا ] أسسنا هذه الجمعية لدعوة إلى الإسلام ،وتعليم القرآن الكريم ، ونقوم بكفالة الأيتام ،وكمايتابعها حلقات تحفيظ القرآن الكريم . فيا اخوة الكرام إننا نطلب منكم التفضل بمساعدتنا وتعاون معنا في سبيل تنفيذ أعمال البر والخير. اخوة الكرام نرجوا منكم أن تساعدونا بالمصاحف الشريف ، يتم توزيعها على المسلمين وعلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم . جزاكم الله خيرا،،،،،، رئيس الجمعية - هارون الرشيد عمر رقم الإتصال; 233245854237+ عنواننا في المراسلات ; al irshad al khairiya association p o box ks 13784 adum kumasi -ghana e-mail ; hairiya784@yahoo.com
 

الإسم : منى حسن دياب

02/04/2012 -- 12:00 PM

تركيا رمز الإسلام المؤمن المصدِّق لما ورد في القرآن الكريم وهي عزّة العرب يم كانت أمرطوريَّة أعزَّت العالم العربي والإسلامي فلينصركم الله على النظام السوري وليسدد خطاكم آمين وأعزّض الله بلد مساجد الله
 

الإسم : منى المنفلوطي

25/02/2011 -- 10:39 PM

عزيزتي إنتقالك من الصحراء الى جنة التاريخ حاضرة الخلافة الإسلامية إسطنبول ، هو إنتقال ذكي جداً، قد يخفى على البعض ، لكن ما بين هذه الصحراء في أفقها اللامحدود وما بين تركيا هناك تاريخ ضائع بينهما ، تائه بين مد المحيط وموج البحر من جهة ، وبين رمال صحراوية تمسح الآثار فوراً ومعها ذاك التاريخ،،، وصفك لتركيا وخاصة بورصة أعاد لي الحنين كي أعود لزيارتها مرة أخرى لأراها بعينيك تماما وخاصة إن بورصة لم اقضي فيها سوى يوم واحد أما اسطنبول فرغم إني سافرت اليها مرتين لكني لم ولن أشبع من تفاصيلها المدهشة ومساجدها المترامية على مد البصر كدرر تزين السماء ليتنا اليوم نصنع تاريخ أفضل نبدأه من الأن نستوحيه من ذاك الماضي الجميل لندخل المستقبل أكثر قوة بعون الله
 
 
 

بحث
 
تم التطوير والتصميم من قبل أعالي التقنية تصميم مواقع جرافيكس أعالي للاعلان تصميم، مجلات، أعلان، تسويق، تصميم شعارات
© جميع الحقوق محفوظة باب الورد 2010
الرئيسية إتصل بنا أضف الى المفضلة